اضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تأجيل القمة الروسية العربية بعد ضعف مشاركة القادة، في خطوة رأت فيها صحيفة "الغارديان" مؤشرًا على تراجع نفوذ موسكو في الشرق الأوسط.
ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير تحليلي أن إلغاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة الروسية العربية التي كان من المقرر عقدها في موسكو يشكل دلالة واضحة على تراجع نفوذ موسكو في الشرق الأوسط، في وقت تواصل فيه الحرب في أوكرانيا استنزاف قدراتها العسكرية والدبلوماسية.
يشير التقرير إلى أن الكرملين كان يأمل في أن تشهد القمة حضور قادة المنطقة إلى موسكو لمناقشة الأمن الإقليمي والعلاقات في مجال الطاقة، إلا أن بوتين اضطر لإلغائها بعدما أكد عدد محدود من الزعماء مشاركتهم، بينهم الرئيس السوري أحمد الشرع والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
القمة، التي أُعلن عنها في نيسان واستُعدّ لها لأشهر، كانت تهدف إلى إظهار استمرار نفوذ موسكو في الشرق الأوسط رغم العقوبات الغربية، لكنها تحولت إلى إحراج دبلوماسي للرئيس الروسي مع انتقال الأنظار نحو شرم الشيخ، حيث احتضنت مصر قمة السلام حول غزة في شرم الشيخ، بمشاركة قادة من الشرق الأوسط وأوروبا، وبغياب روسي لافت.
غياب روسي وحضور أميركي لافت
يوضح تقرير الغارديان أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انضم إلى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ لاستقبال القادة المشاركين الذين وقعوا معاهدة غزة، وسط تزاحم على الظهور إلى جانبه في الصور الرسمية.
ورغم أن موسكو لم تكن مرشحة للعب دور رئيسي في جهود السلام، فإن غيابها عن القمة أكد واقعًا تسعى الكرملين إلى إنكاره: نفوذ روسيا في الشرق الأوسط يتراجع مع استمرار الحرب في أوكرانيا واستنزاف قدراتها العسكرية والدبلوماسية.
وتنقل الصحيفة عن الخبيرة في السياسة الخارجية الروسية هانا نوتّه قولها إن "الدور الدبلوماسي لروسيا في الشرق الأوسط تراجع نتيجة حرب أوكرانيا، ولم يعد اللاعبون الرئيسيون في المنطقة ينظرون نحو موسكو كما في السابق".
تحولات في العلاقات الإقليمية
بحسب التقرير، كشفت القمة المصرية عن تحوّل في أولويات زعماء المنطقة الذين باتوا يركزون على تعزيز علاقاتهم مع ترامب، فيما يزداد التوتر مع موسكو بسبب رفض بوتين إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ويشير إلى أن الشرق الأوسط كان لسنوات ساحة لطموحات بوتين بالعودة إلى الساحة الدولية. فبعد التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد، رسّخ الكرملين وجوده العسكري على المتوسط واستعاد صورته كقوة عالمية قادرة على فرض حضورها. لكن الحرب في أوكرانيا أجبرته على تحويل موارده بعيدًا عن سوريا، فيما تراجعت قدرته على دعم الأسد في مواجهة أزماته الداخلية، وتعرّضت البنى العسكرية الإيرانية – الحليف الأبرز لموسكو – لهجمات إسرائيلية متكررة.
ويضيف التقرير أن موسكو، رغم علاقاتها الطويلة مع السلطة الفلسطينية واستضافتها وفودًا من حماس، لم تلعب أي دور في المفاوضات التي أفضت إلى وقف النار في غزة. ومع انحيازها العلني للفلسطينيين وتقاربها المتزايد مع إيران، توترت علاقاتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي المقابل، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشهر الماضي أن إسرائيل زودت كييف بمنظومة صواريخ باتريوت.
تناقض في المواقف داخل موسكو
ويذكر التقرير أن بوتين برر تأجيل القمة الروسية العربية بأنه أراد "عدم التدخل" في مبادرة ترامب، وامتدح جهوده لإنهاء الحرب في غزة قائلاً: "إذا نجح ترامب في تحقيق ما يسعى إليه، فسيكون حدثًا تاريخيًا بحق".
لكن هذا التوجه لم يلقَ ترحيبًا كاملًا داخل روسيا، إذ عبّر مسؤولون كبار عن استيائهم من تهميش بلادهم.
وزير الخارجية سيرغي لافروف قال إن موسكو "لن ترفض المشاركة في جهود التسوية إذا دُعيت"، لكنها "لن تفرض نفسها".
أما ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق، فانتقد اتفاق غزة بوصفه "بلا معنى"، مضيفًا: "تحرير الرهائن والمعتقلين خطوة جيدة، لكنها لا تحل شيئًا، فطالما لم تُقم دولة فلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة، ستستمر الحرب".
تراجع أوسع في مناطق النفوذ الروسية
وتشير الغارديان إلى أن التراجع الروسي لا يقتصر على الشرق الأوسط. ففي آسيا الوسطى والقوقاز، بدأت دول مثل كازاخستان وأرمينيا وأذربيجان بالابتعاد عن موسكو التي كانت تعتبرها حليفة تقليدية.
وفي آب الماضي، استضاف ترامب قادة أرمينيا وأذربيجان في البيت الأبيض بعد أن توسط لاتفاق سلام بينهما منح واشنطن حق تطوير "ممر ترامب للسلام والازدهار الدولي"، وهو طريق يربط أذربيجان بمقاطعة ناخيتشيفان عبر الأراضي الأرمينية.
ولافت أن الزعيمين الأرمني نيكول باشينيان والأذربيجاني إلهام علييف كانا من بين الحاضرين في قمة شرم الشيخ.
محاولات روسية لإنقاذ الصورة
ويختم التقرير بأن الكرملين أعلن أن قمة "روسيا والعالم العربي" قد تُعقد في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من صورة موسكو كقوة دولية.
لكن بحسب نوتّه، فإن "هذه القمة قد تحمل رمزية سياسية لموسكو، لكنها لن تعيد لروسيا مكانتها كلاعب رئيسي في المنطقة".