يشدد المختصون على أن تطهير غزة من الذخائر غير المنفجرة سيكون عملية طويلة ومعقدة، إذ يُتوقّع أن تستغرق إزالة المخلفات على سطح القطاع أكثر من 30 عاماً، مع استمرار العثور على ذخائر مدفونة تحت الأرض لأجيال مقبلة.
في قلب قطاع غزة المدمّر، يتنقل السكان بين أنقاض منازلهم ومستشفياتهم المتوقفة عن العمل، وسط تهديد دائم بالانفجار. فقد تضررت أو دمرت أكثر من 90% من المنازل، وانهارت أنظمة المياه والكهرباء والصحة، بينما تنتشر الذخائر غير المنفجرة في كل زاوية، على الأرض، تحت الأنقاض، وحتى في باطن الأرض، وفق تقرير حديث لمنظمة Humanity & Inclusion UK.
ويواجه السكان خطرًا مميتًا بعد انتهاء الحرب، إذ أطلقت إسرائيل نحو 70 ألف طن من المتفجرات على القطاع، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 10-12% منها لم تنفجر، ما يحوّل كل زاوية من غزة إلى حقل ألغام حي، ويجعل العودة إلى المنازل بعد وقف إطلاق النار محفوفة بالمخاطر.
العودة إلى المنازل.. " أخطر لحظة"
وحسب آن كلير يايش، مديرة منظمة الإنسانية والإدماج في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن التعامل مع الذخائر غير المنفجرة يمثل معضلة تقنية، وتقول: "تحديد موقع قنبلة واحدة تحت الأنقاض وتأمينها وتفكيكها سيستغرق أشهرًا، والتلوث سيستمر في تهديد حياة السكان لفترة طويلة."
ولا يقتصر الأمر على الذخائر وحدها، فالأنقاض تحتوي على مواد سامة وخطيرة مثل الأسبستوس، بالإضافة إلى وجود جثث بشرية لم يتم انتشالها، ما يجعل من بيئة غزة ما بعد الحرب بيئة قاتلة ومعقدة وتهدد الصحة العامة
ويقول خبير نزع الذخائر لدى منظمة الإنسانية والإدماج: "كل شخص في غزة يعيش الآن في حقل ألغام مرعب وغير محدد.. الذخائر غير المنفجرة موجودة في كل مكان، على الأرض، تحت الأنقاض، وحتى تحت الأرض."
ويضيف أن الفترة التي تلي وقف إطلاق النار هي الأخطر، إذ يسعى النازحون لاستعادة ممتلكاتهم وسط أنقاض منازلهم المدمرة، مما يزيد من الإصابات والوفيات.
ويتابع: "تلوث الذخائر غير المنفجرة واسع الانتشار، ولا يوجد حل آخر حاليًا سوى التعليم والتوعية.. نحن نعلم الناس كيفية العيش وسط هذا الخطر القاتل، مع التركيز بشكل خاص على حماية الأطفال."
مهمة طويلة الأمد لأجيال قادمة
في هذا السياق، تنفذ فرق Humanity & Inclusion جلسات توعية للسكان، تُعرّفهم على مخاطر الذخائر غير المنفجرة، وتوضح كيفية التعرف عليها والتصرف بأمان، مع تركيز خاص على حماية الأطفال.
وتقول المنظمة إن التوعية هي "السلاح الأقوى ضد الذخائر غير المنفجرة"، إذ تمكّن السكان من تقليل المخاطر اليومية حتى يتمكن فريق الإزالة من أداء مهامه بأمان.
وتوضح أن تنظيف سطح غزة وجعلها آمنة سيستغرق أكثر من 30 عامًا، مع استمرار العثور على الذخائر المدفونة في الأرض لعقود مقبلة، كما هو الحال في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ويضيف خبير نزع الذخائر لدى منظمة الإنسانية والإدماج: "هدفنا هو رسم خرائط دقيقة لمواقع الذخائر، ووضع علامات تحذيرية لتقليل الإصابات بين المدنيين، وتمكين عمليات إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية من العمل بأمان."
أزمة إنسانية في غزة
أشار تقرير للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن عدد القتلى والمفقودين بلغ 76 ألفًا و639 شخصًا، بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا، فيما بلغ عدد المصابين 169 ألفًا و583 شخصًا، من بينهم 4800 حالة بتر و1200 حالة شلل.
كما أفاد المكتب بأن 2700 أسرة بالكامل مُسحت من السجل المدني، فيما سُجّل أكثر من 12 ألف حالة إجهاض بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية، وقتل 460 شخصًا نتيجة الجوع وسوء التغذية.