يمنح مشروع القانون الذي أقره الكونغرس وزارة العدل شهرا واحدا لنشر الوثائق غير المصنفة سرية التي بحوزتها حول إبستين وشريكته غيلاين ماكسويل، التي تمضي عقوبة بالسجن مدتها 20 عاما، وجميع الأشخاص المتورطين.
في خطوة أعادت ملف جيفري إبستين إلى الواجهة بقوة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، توقيعه مشروع قانون يُلزم وزارة العدل بنشر جميع الوثائق غير السرية المرتبطة بالقضية، وذلك بعد أن أقرّه الكونغرس بأغلبية ساحقة.
ويأتي هذا التطور في وقت يتصاعد فيه الجدل حول طبيعة علاقة ترامب بإبستين، وسط اتهامات سياسية وإعلامية ومحاولات لإعادة رسم مسار الرواية أمام الرأي العام.
تغيير في الموقف وتصاعد في الاتهامات
وتحوّل موقف ترامب من معارضة القانون إلى دعمه بعدما بات من الواضح أن الكونغرس يتجه لإقراره بغالبية كبيرة. وأعلن الرئيس عبر منصة "تروث سوشيال" توقيعه القانون، مجدداً اتهاماته للديمقراطيين بمحاولة "إخفاء الحقيقة" و"تسييس الملف".
وبموجب القانون، تُمنح وزارة العدل مدة ثلاثين يوماً لكشف الوثائق المتعلقة بإبستين وشريكته غيلاين ماكسويل "التي تقضي حكماً بالسجن 20 عاماً" إضافة إلى أسماء المتورطين والإجراءات القانونية المرتبطة بالقضية. كما يجيز القانون حجب بعض الوثائق في حال مساسها بخصوصية الضحايا أو ارتباطها بتحقيقات فدرالية جارية.
رسائل بريد إلكتروني تعيد فتح ملف العلاقة بين ترامب وإبستين
وجاء التغيير في موقف ترامب بعد أسبوع شهد نشر رسائل بريد إلكتروني كشف عنها مشرعون ديمقراطيون، يزعم إبستين فيها أن ترامب كان "على علم بالفتيات" اللواتي تعرضن للاعتداءات الجنسية، وأنه "أمضى ساعات" مع إحداهن.
ترامب نفى بشكل قاطع صحة هذه المزاعم، مؤكداً أنه لم يواجه أي تبعات قانونية في القضية، وطالب بفتح تحقيق موسع في علاقات إبستين مع شخصيات ديمقراطية بارزة، من بينها بيل كلينتون.
البيت الأبيض ومحاولة "كبح التصويت"
بدورها نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين مطّلعين أن البيت الأبيض ضغط بهدوء على أعضاء مجلس الشيوخ لتأجيل التصويت على مشروع القانون، في محاولة لتمرير تعديلات تُخفف من آثاره السياسية، رغم تصريحات ترامب العلنية التي أكد فيها أن إدارته "ليس لديها ما تخفيه".
وبحسب المصدرين، فإن جهود البيت الأبيض فشلت يوم الثلاثاء عندما وافق الشيوخ على المشروع كما ورد من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، دون التعديلات التي حاول مساعدو ترامب إدخالها، ما كشف عن حدود نفوذ الرئيس داخل حزبه في قضية تلاحقه سياسياً منذ عودته إلى السلطة.
وأوضح المصدران أن كبار مساعدي ترامب أدركوا مساء الأحد أن جهودهم لوقف التصويت انهارت، فبدأوا بالتحول إلى "إدارة الأضرار" بدلاً من منعها. وتم تكثيف الاتصالات مع قيادة مجلس الشيوخ لتمرير تعديلات تتعلق بحماية الضحايا، إلى جانب توزيع نقاط حوار على النواب الجمهوريين الضعفاء انتخابياً، لحثّهم على تصوير أي تأجيل محتمل باعتباره خطوة إجرائية لا تهدف إلى إخفاء المعلومات.
وفي محاولة لإعادة توجيه النقاش العام، شجع البيت الأبيض أعضاء الكونغرس على تحويل التركيز من ملف إبستين إلى قضايا أخرى، مثل القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، استعداداً لانتخابات التجديد النصفي المقبلة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض أبيغيل جاكسون إن الرئيس كان قلقاً من أن يؤدي التركيز على قضية إبستين إلى "صرف الانتباه عن أولوياته"، مضيفة: "لم يكن الرئيس ترامب يوماً ضد نشر ملفات إبستين، بل كان ضد الوقوع في فخ الديمقراطيين بجرّ الجمهوريين إلى هذا الملف بدلاً من التركيز على إنجازات الإدارة".
ورغم أسابيع من التخطيط الاستراتيجي، لم يستطع البيت الأبيض وقف التصويت، وهو ما انعكس مباشرة على شعبية الرئيس.
إذ أظهر استطلاع رويترز/إبسوس أن 44% فقط من الجمهوريين يرون أن ترامب يتعامل جيداً مع ملف إبستين، في أدنى مستوى له هذا العام.
كما أظهر الاستطلاع أن 60% من الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة تخفي معلومات عن وفاة إبستين، و70% يعتقدون أنها تخفي معلومات عن المتورطين في جرائمه، بما في ذلك قسم كبير من مؤيدي ترامب.
نظريات مؤامرة
منذ العثور على إبستين مشنوقاً في زنزانته عام 2019، ظلّت القضية محوراً لنظريات مؤامرة كثيرة تتهم جهات نافذة بالسعي لإسكاته خشية كشف أسرار محرجة. ومع عودة ترامب إلى السلطة، حاول التخفيف من حدة الجدل، واصفاً القضية بأنها "خدعة ضخّمها الديمقراطيون"، الأمر الذي أثار حفيظة بعض مؤيديه داخل حركة "لنجعل أميركا عظيمة من جديد".
وفي الوقت ذاته، أدى تسريب رسائل البريد الإلكتروني الأخيرة إلى تجدد الشكوك حول شبكة العلاقات الواسعة لإبستين داخل دوائر السياسة والمال والترفيه، ما زاد الضغط على إدارة ترامب في إدارة الملف بشفافية.
وترجع علاقة ترامب بإبستين إلى أواخر الثمانينيات، حيث كانا جزءاً من الدوائر الاجتماعية نفسها قبل أن تنتهي علاقتهما مطلع الألفية. وبعد ذلك بسنوات، واجه إبستين اتهامات بإدارة شبكة اتجار جنسي بقاصرات، فيما لم توجَّه أي اتهامات لترامب في هذا السياق.
لكن إعادة نشر الرسائل الإلكترونية، إلى جانب تصريحات وخطوات سياسية من الطرفين، جعلت هذه العلاقة القديمة جزءاً من السجال الحالي، خصوصاً بعد الكشف عن وثائق البريد الإلكتروني التي نشرتها لجنة الرقابة في مجلس النواب، والتي أظهرت مراسلات لإبستين مع شخصيات مؤثرة محلية ودولية.
تقارير إعلامية تزيد الضغوط.. وذكر اسم ترامب من جديد
وزادت الضغوط الإعلامية على البيت الأبيض بعد تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز كشفت فيه أن اسم ترامب ورد ضمن "كتاب احتفالي" أصدره إبستين بمناسبة عيد ميلاده الخمسين عام 2003، وشمل رسائل ورسومات من أصدقائه والمقرّبين منه.
كما دعمت هذه الرواية تقارير "وول ستريت جورنال" التي ذكرت أن ترامب قدّم رسالة ذات طابع جنسي أرفقت برسمة فاضحة لامرأة، وقّعها بتوقيع يوحي بطابع إيحائي، ممهوراً بعبارة: "عيد ميلاد سعيد.. وليكن كل يوم سرّاً رائعاً جديداً".
وبينما يؤكد ترامب أنه يسعى إلى كشف الحقيقة كاملة، يتهمه خصومه بمحاولة إدارة الملف سياسياً، خاصة بعد اتهامات بأنه حاول عرقلة التصويت على القانون، وهو ما ينفيه الرئيس.
ومع بدء العد التنازلي لمهلة الشهر الممنوحة لوزارة العدل، تستعد واشنطن لمرحلة جديدة من الجدل، قد تكشف خلالها الوثائق المنتظرة عن تفاصيل من شأنها أن تعيد ترتيب المشهد السياسي، وربما تفتح الباب أمام اتهامات جديدة تطال شخصيات من الحزبين.