Newsletter الرسالة الإخبارية Events الأحداث البودكاست فيديو Africanews
Loader
ابحثوا عنا
اعلان

تونس الأولى عربياً في الاكتئاب.. حين يصبح احتفال رأس السنة رفاهية "لمن استطاع إليها سبيلاً"

ساعة شارع الحبيب بورقيبة بالعلم التونسي كجزء من الاحتفالات بالذكرى الثانية للثورة في تونس العاصمة، الأحد 13 يناير 2013.
ساعة شارع الحبيب بورقيبة بالعلم التونسي كجزء من الاحتفالات بالذكرى الثانية للثورة في تونس العاصمة، الأحد 13 يناير 2013. حقوق النشر  Amine Landoulsi/AP
حقوق النشر Amine Landoulsi/AP
بقلم: يورونيوز
نشرت في
شارك محادثة
شارك Close Button

يرحل عام 2025 مخلّفًا وراءه معدل تضخم قارب 5% بنهاية العام وتراجع قياسي في القوة الشرائية. إذ لم يعد السؤال "أين سنقضي سهرة رأس السنة؟"، بل أصبح "كيف سنقضي الشهر الذي يليه إذا احتفلنا بهذه الليلة؟" في بلد يبلغ الحد الأدنى من الأجور 528 دينارًا (180 دولارًا)، مقابل تكاليف معيشة تتصاعد عامًا بعد آخر.

بينما تستعد عواصم العالم لإطلاق الألعاب النارية احتفالاً بقدوم عام 2026، يبدو المشهد مختلفًا في شوارع تونس. إذ تحوّل الاحتفال إلى ترف لا يقدر عليه كثيرون، و"كيف يحتفل التونسي بعام جديد بينما يلتهم التضخم ما تبقى من راتبه القديم؟" كما تقول إحدى الشهادات لـ"يورونيوز".

وفي جولة بين أزقة العاصمة تونس، يدرك المارّ سريعاً أن رائحة المرطّبات والحلويات التي كانت تفوح من البيوت والأحياء الشعبية قد تلاشت ليحل محلها هدوء غير معتاد، والمحلات التي كانت تشهد ازدحاماً خانقاً في مثل هذه الأيام، تبدو اليوم أقل صخباً.

ويُجمع التجار على إن الإقبال على شراء الحلويات قد تراجع بشكل ملحوظ. فـ"الزبون الذي كان يشتري قالبين أو ثلاثة لعائلته الكبيرة، بات اليوم يكتفي بقطع صغيرة أو يمرّ دون شراء".

وفي شهادات جمعتها يورونيوز، يؤكد مواطنون أن هذه الليلة فقدت معناها الاجتماعي، إذ تقول إحدى السيدات: "في السنوات الماضية كنا ننتظر رأس السنة لنجتمع.. اليوم، سعر الكيلوغرام الواحد من الحلويات البسيطة يعادل ميزانية أسبوع من الخضار.. قررنا قضاء السهرة كأي ليلة عادية". قبل أن تضيف: "الفرحة لم تعد ممكنة لمن يطارد ثمن الحليب والزيت".

وقال أحد الشباب ليورونيوز: "في السنوات الماضية كنا نحتفل بطريقة مختلفة خارج المنزل، أما اليوم، ومع اشتداد صعوبة الواقع الاقتصادي، سنقضي السهرة في البيت، محاولين إسعاد أنفسنا بما تسمح به إمكاناتنا المتاحة".

العشاء العائلي، الذي كان ركناً أساسياً من طقوس رأس السنة لدى التونسيين، لم يسلم هو الآخر من منطق التقشف. فقد بات إعداد مائدة كما جرت العادة مشروعاً يتطلب ميزانية إضافية ليست في متناول أغلب الأسر.

ومع وصول أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية، اضطرت عائلات كثيرة إلى شطب بعض الأطباق من قائمة الاحتفال، والاكتفاء بوجبات يومية عادية، حفاظاً على ما تبقى من الراتب لمواجهة عبء الفواتير وإيجار البيوت.

الغلاء يلتهم الرواتب

وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء التونسي، تجاوزت الزيادة السنوية في أسعار المواد الغذائية 5.5%، فيما فاقت زيادات أسعار اللحوم والدواجن 20% في بعض الفترات خلال عام 2025.

ورغم تسجيل معدل تضخم بـ4,9% ، وهوالأدنى منذ سنة 2021، إلا أن هذا التراجع الظاهري لم ينعكس إيجابا على معيشة التونسيين وواصلت الأسعار ارتفاعها بوتيرة أسرع من نموّ الأجور.

وتؤكد تقارير إعلامية محلية أن القدرة الشرائية الحقيقية للأسر التونسية تراجعت بنحو 11.1% في 2025 مقارنة بعام 2019 بعد احتساب التضخم، ما يعني فشل الأجور في مواكبة الارتفاع المتواصل في كلفة المعيشة.

وفي السياق ذاته، لم تتجاوز الزيادات في أجور العاملين 2.6%، في وقت بلغ فيه التضخم نحو 5.5% في سبتمبر/أيلول 2025.

وحسب وسائل إعلام تونسية، فإن الفئات ذات الدخل المحدود كانت الأكثر تضررًا، إذ تراجعت القدرة الشرائية لأصحاب الأجر الأدنى المضمون (48 ساعة) بنسبة 14.9% بين عامي 2017 و2025، وبنسبة 16.2% لأصحاب الأجر الأدنى المضمون (30 ساعة).

الفجوة الطبقية تزداد اتّساعا

على الجانب الآخر، تواصل الفنادق تسويق سهرات رأس السنة، حيث تبدأ أسعارها من نحو 250 دينارًا ( 85‑86 دولارًا) للشخص الواحد، وقد ترتفع إلى "أرقام خيالية" إذا شملت الإقامة والعروض الفنية والامتيازات المصاحبة.

وفي ظل هذا المشهد الاحتفالي ، الذي يبدو بعيدا عن الواقع الحقيقي لمعظم السكان، تتحول مناسبة رأس السنة إلى حدث "انتقائي"، متاحة فقط لفئة محدودة، بينما تجد الغالبية نفسها خارج دائرة الاحتفال، مكتفية بمتابعة الأجواء عبر شاشات التلفزيون أو منصات التواصل الاجتماعي.

ويُبرز هذا الانقسام الفجوة الطبقية المتزايدة في المجتمع التونسي، ففي الوقت الذي يسهر فيه البعض تحت أضواء ساحرة، يكتفي الآخرون بالمتابعة عن بُعد، أو يضطرون لتقليل الإنفاق على الترفيه لصالح تأمين الضروريات اليومية.

الاقتصاد والسياسة.. أزمات متشابكة

العبء الاقتصادي الذي يرزح تحته التونسيون منذ سنوات، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتآكل القدرة الشرائية، مرتبط بالتوتّر السياسي المتنامي عامًا بعد عام.

وشهد عام 2025 تصعيدًا في الإجراءات التي اعتبرتها منظمات حقوقية محلية ودولية "جزءًا من تضييق الحريات العامة"، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في أعداد المواطنين الذين زُجّ بهم في السجون، وما رافق ذلك من "قيود على حرية التعبير".

وعلى الصعيد السياسي، وثّقت هذه المنظمات تراجعًا في استقلالية القضاء، بما في ذلك إصدار أحكام طويلة بالسجن في قضايا وصفها خصوم السلطة بأنها "ذات بعد سياسي"، واعتقال معارضين ونشطاء من تيارات متعددة. واثارت هذه الممارسات موجة احتجاجات واسعة داخل المجتمع المدني، فيما تبنت عدة منظمات حقوقية نشاطًا رقابيًا لرصد التجاوزات، إلا أنها تعرضت بدورها لمضايقات وتعليق أنشطتها.

أما على الصعيد الاجتماعي والنفسي، فقد انعكست هذه الأزمات الاقتصادية والسياسية على الصحة النفسية للتونسيين. وكشف تقرير عالمي صادر عن World Population Review لعام 2025 أن تونس تصدّرت الدول العربية في معدّلات الاكتئاب، وجاءت في المرتبة الرابعة عالميًا بنسبة تصل إلى 6.1% من السكان يعانون من هذا الاضطراب النفسي.

انتقل إلى اختصارات الوصول
شارك محادثة

مواضيع إضافية

التوتر يتصاعد: مناورات صينية حول تايوان لليوم الثاني

أردوغان: الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" غير قانوني وغير مقبول

دراسة: أدوية الكوليسترول تحمي مرضى السكري من خطر الوفاة