تحذّر جهات معنية بشؤون الأسرى الفلسطينيين من تدهور متسارع في الأوضاع الإنسانية والصحية داخل السجون الإسرائيلية، في ظل سياسات قاسية وممنهجة يتمّ اتباعها.
كشفت "هيئة شؤون الاسرى والمحررين"، في تقريرها الصادر اليوم الأحد عقب زيارة نفّذها محاموها، عن تسجيل عدد من الحالات المرضية بين اسرى يقبعون في سجني عوفر ومجيدو، من بينها حالات تعاني أوضاعًا صحية مقلقة.
وحمّلت الهيئة إدارة السجون الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن استمرار ما وصفته بمسلسل الإهمال الطبي بحق الاسرى الفلسطينيين، داعية المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، والتحرك الجدي والفاعل إزاء قضية الاسرى وضمان حقوقهم الصحية والإنسانية كاملة.
وكانت "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" و"نادي الأسير" قد أشارتا إلى كارثة صحية متفاقمة في السجون الإسرائيلية، تقابلها سياسة حرمان متعمد وممنهج من العلاج بحق آلاف الأسرى، تتجسّد عبر سياسة "الإبادة البطيئة" عبر التجويع، وفرض بيئة احتجاز قاسية تسهم في انتشار الأمراض والأوبئة، من دون تسجيل أي تحسّن يُذكر في الأوضاع الصحية حتى كانون الأول/ديسمبر 2025، بل على العكس، جرى ترسيخ الحرمان من العلاج كسياسة دائمة.
وأكدت أن الأسرى باتوا يخشون مجرد طلب العلاج، بسبب ما يرافق ذلك من ضرب واعتداءات وانتهاكات، في وقت جرى توثيق حالات لأسرى يعانون أمراضًا خطيرة، بينها التصلّب اللويحي والسرطان والفشل الكلوي، من دون تلقي أي علاج فعلي. كما ساهم التجويع في تدهور حاد في الحالات المرضية، إلى حد وصول بعض الأسرى إلى مرحلة العجز عن تناول الطعام.
وأفادت بتسجيل اعتداءات جسدية على أسرى مرضى داخل العيادات وأثناء نقلهم للعلاج أو إلى المستشفيات، في وقت يبقى فيه النقل إلى المستشفيات الخارجية نادرًا ولا يتم إلا بعد وصول الأسير إلى مرحلة صحية حرجة. كما تبرز عيادة سجن الرملة، بحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، كنموذج لانتهاكات ممنهجة بحق الأسرى المرضى، بمن فيهم أسرى غسيل الكلى، إضافة إلى وجود أسرى مرضى من لبنان وسوريا يتعرضون للانتهاكات ذاتها داخل السجون.
"تنكيل جماعي" بحق الأسرى
قال مكتب إعلام الأسرى الفلسطيني إن سجن رامون الإسرائيلي شهد خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري تصعيدًا خطيرًا في الإجراءات القمعية بحق الأسرى الفلسطينيين، في ظل أوضاع إنسانية صعبة تفاقمت مع دخول فصل الشتاء.
وأوضح المكتب، في بيان، أن إدارة السجن نفذت ثلاث حملات قمع متتالية في 14 و16 و19 من الشهر، شملت اقتحام غرف الأسرى والاعتداء عليهم بالضرب والتنكيل الجماعي دون استثناء، بالتوازي مع استمرار ظروف العزل القاسية من دون أي تحسينات تُذكر.
وأشار البيان إلى أن الأسرى يُحرمون من أبسط مقومات الحياة، محذرًا من أن العزل الانفرادي بات يشكّل خطرًا متزايدًا على حياتهم. ومع اشتداد البرد، يعاني الأسرى من غياب الحد الأدنى من التدفئة ونقص حاد في الملابس الشتوية، ما ينعكس سلبًا على صحتهم الجسدية وقدرتهم على الاحتمال.
وأكد مكتب إعلام الأسرى أن ما يجري داخل السجن يندرج في إطار إجراءات تنكيلية وعقاب جماعي ممنهج، محمّلًا إسرائيل المسؤولية الكاملة عن سلامة الأسرى، ومحذرًا من تداعيات خطيرة لاستمرار سياسات القمع والعزل، وداعيًا إلى تدخل حقوقي وإنساني عاجل لوقف ما وصفه بـ"الجرائم" داخل السجون الإسرائيلية.
شهادات واتهامات متصاعدة
تتلاقى هذه المعطيات مع شهادات نقلتها شبكة "بي بي سي" في ديسمبر، أفادت بتعرض عدد من الأسرى الفلسطينيين لاعتداءات جنسية مباشرة أثناء فترة احتجازهم. ووفق ما رواه بعض الأسرى، شملت هذه الانتهاكات إساءات جنسية وجسدية على أيدي سجّانين، في سياق وصفه الأسرى بتجاوزات وجرائم مرتبطة ببيئة الاحتجاز داخل المرافق الإسرائيلية.
وقد أعربت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، الشهر الماضي، عن قلقها البالغ إزاء تقارير تشير إلى وجود سياسة أمر واقع للتعذيب المنظم واسع النطاق وسوء المعاملة بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، معتبرة أن هذه الادعاءات تصاعدت بشكل خطير بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023. كما وثّقت منظمات حقوقية ما وصفته بإساءة منهجية بحق الأسرى.
وخلال العام الماضي، أظهرت لقطات كاميرات مراقبة مسرّبة من داخل سجن عسكري إسرائيلي ما قيل إنه اعتداء على رجل فلسطيني من غزة على يد حراس السجن، ما أدى إلى استقالة مسؤول بارز وإثارة خلافات داخل أعلى المستويات العسكرية والسياسية في إسرائيل.
ووفق آخر الإحصاءات، يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل نحو 10 آلاف و800 أسير حتى مطلع أغسطس/آب الماضي، من دون توجيه تهم رسمية بحق عدد كبير منهم.