المركز الثقافي والاجتماعي التونسي في غرونوبل تأسس مع مطلع الألفية الجديدة، ليكون مساحة ثقافية واجتماعية تهدف إلى الترويج للهوية التونسية وبناء الجسور بين الجالية المغتربة والوطن الأم.
من بين جدرانٍ تحمل عبق الذاكرة العربية وروح تونس، يبني المركز الثقافي والاجتماعي التونسي في غرونوبل، المعروف باسم "دار التونسي"، جسورًا من المحبة والانتماء، تربط أبناء هذه الجالية في فرنسا بتراثهم وهويتهم عبر سلسلة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تحوّلت إلى مواعيد انتظار وفرح.
وكان آخر هذه المواعيد يومًا ترفيهيًا مميّزًا للأطفال والعائلات، أقيم يوم السبت 22 تشرين الثاني/ نوفمبر بمناسبة اليوم العالمي للطفل، حيث امتلأت قاعات المركز بالضحكات والأناشيد، وامتزجت الأغاني الوطنية التونسية بألحان الطفولة، في مشهد عائلي دافئ أعاد للوطن حضوره في تفاصيل الحياة اليومية للمغتربين.
النشاط، الذي جرى بإشراف قنصلية الجمهورية التونسية في غرونوبل، شهد مشاركة فرقة "عمو سهيل" القادمة خصيصًا من تونس، وقدّمت فقرات موسيقية واستعراضية تفاعل معها الأطفال بحماس، إضافة إلى رقصات جماعية وعرض ترفيهي للساحر "ميدو"، الذي خطف أنظار الحاضرين.
في هذا السياق، يؤكد مدير المركز، خالد عبودة، أن "اليوم العالمي للطفل ليس مجرد احتفال، بل هو دعوة للعمل المشترك وتعزيز الروابط الإنسانية".
ويضيف في حديث لـ"يورونيوز": "بالنسبة للجالية التونسية، يمثّل هذا اليوم فرصة ذهبية لتحويل الحنين إلى الوطن إلى فعل إيجابي، يربط أبناءنا بجذورهم، ويساهم في بناء مستقبل أفضل لأطفال تونس، ويعزّز دائرة العطاء المتبادل بين الوطن وأبنائه في المهجر".
اللغة العربية.. من كتاب مدرسي إلى ذاكرة حيّة
ولا تقتصر أهمية هذه الأنشطة على الترفيه، بل تتعدّاها إلى دور ثقافي وتربوي عميق، لا سيّما في ما يتعلق بتعليم اللغة العربية لأبناء الجالية.
من هنا، يوضح عبودة أنّ "النشاطات الترفيهية الناجحة تُحَوِّلُ اللغةَ العربية من مادة أكاديمية جامدة إلى تجربة حيّة مليئة بالحماس".
ويضيف: "نحن لا نعلّم قواعد اللغة فقط، بل نزرع حبّها في قلوب الأطفال، لأنها تصبح مرتبطة بالفرح والهوية والانتماء وذكريات جميلة مع العائلة والأصدقاء. وهذا الحبّ هو الأساس الذي سيبنون عليه رحلتهم في إتقان اللغة لاحقًا".
"عمو سهيل".. رسالة من تونس إلى أبناء الاغتراب
من جهته، يشدّد المنشّط سهيل هنشيري، المعروف لدى الأطفال بلقب "عمو سهيل"، على أهمية هذه اللقاءات الثقافية في الحفاظ على اللغة والهوية.
ويقول في حديث لـ"يورونيوز": "قدّمنا حصة تنشيطية لأطفال الجالية التونسية في غرونوبل، تجمع بين الترفيه والتربية، وباللغة العربية تحديدًا، للحفاظ على الرابط بين هذه الأجيال ولغة الضاد".
ويوضح أن الأغاني الوطنية التي قدّمتها فرقته، وهي من كتابتهم وألحانهم، تهدف إلى "ترسيخ الثقافة العربية والتاريخ التونسي العريق في وجدان أبناء الجاليات في الاغتراب".
ويضيف: "هذه الأنشطة تشكّل همزة وصل حقيقية بين المغترب ووطنه الأم، وهي مصمَّمة بأسلوب قريب من طريقة تفكير الأجيال الجديدة، لمساعدتهم على اكتشاف لهجة بلدهم وتاريخها".
اللافت أنّ فرقة "عمو سهيل" تقوم بهذه الأنشطة بشكل تطوّعي في عدد من الدول الأوروبية التي تستقبل جاليات تونسية وعربية، حاملة، كما يقول هنشيري، "رسالة واحدة من تونس: نشر الثقافة العربية مهما بَعُدت المسافات، لأن هذه الأجيال تمثّل مستقبل تونس والعالم العربي".
تأسّس المركز الثقافي والاجتماعي التونسي في غرونوبل مع مطلع الألفية الجديدة، ليكون مساحة ثقافية واجتماعية تهدف إلى الترويج للهوية التونسية وبناء الجسور بين الجالية والوطن الأم.
وتتنوع أنشطته بين تعليم اللغة العربية، وتنظيم الاحتفالات الوطنية والدينية، ونوادي الموسيقى والتكنولوجيا، وإقامة معارض للمنتوجات التقليدية التونسية، ليتحوّل هذا المركز، مع مرور الوقت، إلى بيت رمزي لكل تونسي في المهجر، ونافذة مفتوحة تطل منها الأجيال الجديدة على جذورها.