فقدت بعض الشعاب المرجانية التي شملها المسح ما يصل إلى 70 في المئة من كتلتها المرجانية.
سجّلت أجزاء من الشعاب المرجانية الأسترالية الشهيرة أسوأ تراجع سنوي لها منذ بدء تسجيل البيانات قبل نحو 40 عامًا. فبعد سنوات من التعافي، تسببت الضغوطات المناخية المتلاحقة في انخفاض حاد في الغطاء المرجاني، أي النسبة المئوية من سطح الشعاب المغطاة بالمرجان الحي، وذلك في المناطق الثلاث للشعاب.
ويكشف تقرير جديد صادر عن المعهد الأسترالي للعلوم البحرية (AIMS)، الذي يجري مسحًا سنويًا للشعاب المرجانية منذ عام 1986، أن حدث التبييض الجماعي الناجمة عن موجات الحرارة البحرية في عام 2024، تلاه إعصاران وفيضانات، أدى إلى تراجع على مستوى المنطقة.
فقد أظهر نحو نصف الشعاب المرجانية الـ124 التي شملها المسح تراجعًا في الغطاء المرجاني، إذ فقد بعضها ما يصل إلى 70 في المئة منه.
وبعد أعوام من انتعاشٍ نسبي في بعض مناطق الشعاب المرجانية، وتُثير هذه التراجعات الحادة قلقًا متزايدًا.
ويقول الدكتور مايك إيمسلي، مدير برنامج مراقبة (AIMS)، في بيان له: "يبدو أن التراجع السريع الذي أعقب تعافي الشعاب المرجانية الأخير يُشكّل جزءًا من نمط بيئي مستجدّ".
ويُضيف: "في السابق، كان الغطاء المرجاني يتأثر على نحو طبيعي بالاضطرابات، لكن خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، أصبحت هذه التقلبات أكثر حدة، إذ تأرجحت بين أدنى المستويات القياسية وأعلاها. ويُعزى هذا الاتجاه بشكل أساسي إلى الإجهاد الحراري المتكرر الناتج عن تغيّر المناخ".
تراجع حاد في الشمال والوسط والجنوب
شهدت كل منطقة من الشعاب المرجانية انخفاضًا كبيرًا في الغطاء المرجاني، مقارنة بمستويات عام 2024، بحسب نتائج مسح هذا العام.
ففي الشعاب الشمالية، الممتدة من كيب يورك إلى كوكتاون، تراجع الغطاء المرجاني من 39.8 في المئة إلى 30.0 في المئة، ما يمثل خسارة تقارب 25 في المئة، وهو أكبر انخفاض سنوي يُسجَّل في هذه المنطقة على الإطلاق. ومع ذلك، لا يزال الغطاء المرجاني أعلى بقليل من المعدل طويل الأمد.
أما في الشعاب الوسطى، الممتدة من كوكتاون إلى بروسيربين، فقد بلغ التراجع 13.9 في المئة. وتضم هذه المنطقة معظم الشعاب التي إما حافظت على غطائها المرجاني أو شهدت زيادة فيه خلال عام 2025.
لكنّ الشعاب المرجانية الجنوبية، الممتدة من بروسيرباين إلى غلادستون، كانت الأكثر تضررًا، إذ تراجع الغطاء المرجاني بنسبة 30.6 في المئة ليبلغ نحو 26 في المئة فقط، وهو أكبر انخفاض سنوي يُسجّل في هذه المنطقة منذ بدء عمليات الرصد.
وقال إيمسلي: "هذه أيضًا هي المرة الأولى التي نشهد فيها تأثيرات كبيرة في المنطقة الجنوبية".
لم تكن الانخفاضات موحّدة، لكنها سُجّلت على نطاق واسع، إذ فقد نحو نصف الشعاب المرجانية التي شملها المسح غطاءها المرجاني، في حين أظهرت 10 في المئة فقط منها زيادة في الغطاء.
الإجهاد الحراري يؤجج أزمة التبييض العالمية
يُعدّ حدث التبييض في عام 2024 جزءًا من أزمة أوسع نطاقًا تطال الشعاب المرجانية حول العالم. وكانت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) قد أعلنت العام الماضي أن هذا الحدث يمثّل رابع موجة تبييض عالمية، بدأت في النصف الشمالي من الكرة الأرضية عام 2023.
وبحسب الإدارة نفسها، تعرّض أكثر من 84 في المئة من الشعاب المرجانية حول العالم خلال الأشهر الـ12 الماضية لإجهاد حراري شديد، يكفي للتسبّب في التبييض. ويُعدّ هذا الحدث، من حيث اتّساعه، الأكثر شمولًا على الإطلاق.
ومع امتصاص المحيطات لكميات متزايدة من الحرارة بفعل تغيّر المناخ، أصبحت موجات الحرّ البحرية أطول أمدًا وأكثر حدّة. وعندما ترتفع حرارة المياه، تطرد الشعاب المرجانية الطحالب التي تمنحها لونها ومصادر غذائها. وإذا استمرت هذه الظروف لفترة طويلة، فإن الشعاب تُصاب بالجوع وقد تنتهي بالموت.
ويؤكّد العلماء أن هذه الأحداث الجماعية لم تعد نادرة الحدوث، وأن الفترات الفاصلة للتعافي بينها تتقلّص بشكل مقلق.
نافذة قصيرة من المرونة آخذة في الانغلاق
رغم أن معدّي الدراسة أشاروا إلى أن "الحاجز المرجاني العظيم" في أستراليا لا يزال يحتفظ بكمية من الشعاب المرجانية الحيّة تفوق ما هو موجود في العديد من أنظمة الشعاب الأخرى حول العالم، فإن ذلك لا يُعدّ بالضرورة مصدرًا للطمأنينة.
فقد أتاح التعافي من أحداث التبييض السابقة توفر ظروف بيئية مواتية، إلى جانب هيمنة أنواع مرجانية سريعة النمو مثل الأكروبورا، لكن هذه الأنواع نفسها تُعدّ الأكثر هشاشة في مواجهة التبييض المتكرر.
وشهد صيف 2024 أيضًا سلسلة من الضغوطات الإضافية، تمثّلت في الإعصارين جاسبر وكيريلي، والفيضانات الكبيرة الناتجة عن الأمطار الغزيرة وجريان المياه السطحية، فضلًا عن تفشّي نجم البحر ذي التاج الشوكي، وهو كائن مفترس شره قادر على إلحاق دمار كبير بالشعاب المرجانية.
كما يشهد عام 2025 حدث تبييض آخر لا تزال آثاره قيد التكوّن، ولن تظهر نتائجه إلا في بيانات العام المقبل.
وقالت سيلينا ستيد، الرئيسة التنفيذية للمعهد الأمريكي لعلوم البحار والمحيطات: "توفّر هذه النتائج دليلًا قويًا على أن ارتفاع حرارة المحيطات، الناتج عن تغيّر المناخ، لا يزال يُحدث تأثيرات كبيرة وسريعة على الشعاب المرجانية".
وأضافت أن عدم اتخاذ خطوات سريعة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتنفيذ إجراءات عالمية عاجلة للحدّ من ارتفاع حرارة المحيطات، سيجعل الشعاب المرجانية حول العالم، بما في ذلك الحاجز المرجاني العظيم، عرضة لمزيد من التقلبات والغموض في العقود المقبلة.