رغم التشابه الكبير، تمكن الإنسان من ترويض الحصان وتوظيفه في العمل والتنقّل، بينما ظلّ الحمار الوحشي عصيًّا على التدجين. فما السبب؟
تشير الدراسات إلى أن تدجين الخيول بدأ في منطقة كازاخستان، موطن ثقافة "بوتاي" القديمة، حوالي سنة 4000 قبل الميلاد، حيث وُجدت بقايا عظام خيول وآثار لأسوار وأوانٍ فخارية تحتوي على دهون خيول يُعتقد أنها كانت تُستخدم لحفظ الحليب.
واستند الباحثون في إثبات التدجين إلى علامات التآكل على أسنان الخيول، التي قد تشير إلى استخدام اللجام. غير أن دراسات جينية حديثة أعادت النظر في هذا الطرح، وأوضحت أن الخيول دُجّنت لاحقًا في سهول البحر الأسود، قبل أن تنتشر في أنحاء أوراسيا مع العربات والفرسان في مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد.
محاولات فاشلة لترويض الحمير الوحشية
رغم نجاح الإنسان في ترويض الخيول، فإن محاولاته لتدجين الحمير الوحشية باءت بالفشل.
وحاول المستعمرون الهولنديون في جنوب إفريقيا خلال القرن السابع عشر ترويضها لاستخدامها في النقل، لكنها كانت ترفض الخضوع، وتكسر القيود وتفرّ. وتُعد من أكثر الحيوانات عنادًا واندفاعًا بين أفراد عائلة الخيول، إذ يمكنها توجيه ركلة قوية قادرة على قتل أسد أو كسر فكّه.
وتوضح الباحثة البريطانية كارول هول، المتخصصة في علم سلوك الخيول بجامعة نوتنغهام ترنت، أن الحمير الوحشية تطورت في بيئة قاسية مليئة بالمفترسات مثل الأسود والفهود والضباع، مما جعلها أكثر يقظة واستجابة لأي تهديد. وتضيف:"تعلّمت الحمير الوحشية أن تبقى في حالة تأهّب دائمة، وأن تهرب عند الخطر، لكنها أيضًا قادرة على القتال العنيف إذا أُمسكت، وهو ما يجعلها غير صالحة للترويض."
"المسألة ليست مجرد تشابه شكلي"
ورغم أن مظهر الحمار الوحشي يوحي بأنه "حصان مخطّط"، فإن الدراسات الجينية تُظهر أن النوعين تفرّعا من سلف مشترك قبل نحو 4 إلى 4.5 ملايين سنة، وتطوّرا في بيئتين مختلفتين تمامًا.
وبينما عاش الحصان في سهول أوراسيا المفتوحة، حيث قلّت المفترسات وتوفرت مساحات واسعة للحركة، نشأ الحمار الوحشي في إفريقيا، وسط أخطار مستمرة، ما جعله أكثر عدوانية وخوفًا من البشر.
إضافة إلى ذلك، فإن الحيوانات القابلة للتدجين عادةً ما تكون سريعة النضج، هادئة، وقريبة من الإنسان بطبيعتها، وهي صفات لا تتوفر في الحمير الوحشية.
"حالات نادرة واستثناءات"
رغم صعوبة ترويضها، سُجّلت حالات فردية نادرة لأشخاص تمكنوا من تدريب حمير وحشية. من أبرزهم العالم البريطاني والتر روتشيلد، الذي قاد عربة تجرّها حمير وحشية في لندن خلال الحقبة الإدواردية، وكذلك البريطاني بيل تيرنر الذي ركب حمارًا وحشيًا في دورست. إلا أن المختصون يؤكدون أن هذه الحالات استثنائية ولا يمكن تعميمها.
وحتى لو أمكن ترويضها، فإن الحمير الوحشية أصغر حجمًا من الخيول الحديثة، فهي أقرب إلى المهور الصغيرة، ما يجعلها غير مناسبة للركوب لمسافات طويلة أو لحمل الأثقال.