نيران الارهاب بكل مسمياته تحاصر العراقيين

نيران الارهاب بكل مسمياته تحاصر العراقيين
Copyright 
بقلم:  Euronews
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
اعلان

تفاقمت ازمة اللاجئين والنازحين العراقيين ، الناجمة عن وجود الارهاب بكل مسمياته واصنافه، داعشيا وميليشياويا ودوليا، بدرجة يصعب رأبها بعد. فمنذ سقوط مدينة الرمادي عاصمة محافظة الانبار في النصف الثاني من شهر مايس المنصرم بيد عناصر الدولة الاسلامية (داعش)، وكذلك المواجهات المسلحة اليومية مع ميليشيات الحشد الشعبي الطائفي، وحملات القصف الجوي الدولي المستمرة، والخوف من المستقبل المبهم، كل ذلك وسواه دفع الملايين من المدنيين الى الفرار بارواحهم الى المجهول. وتم تصعيد هذه الازمة من خلال صفقات السلاح التي عقدتها الحكومة العراقية مع كل من روسيا والولايات المتحدة بما ينذر بحرب لا تبقي ولا تذر.

ان وضع النازحين واللاجئين العراقيين ، سواء داخل البلاد او خارجها، هو وضع كارثي. وقد عبر عن ذلك المفوض السامي للامم المتحدة لشؤون اللاجئين انطونيو كوترراس، بقوله ان اوضاع 15 مليون لاجيء في العراق وسورية صعبة للغاية وبما لايمكن تخيله. فاللاجئون يفتقرون الى الاحتياجات الاساسية مثل الغذاء والماء والسقف. ويتعرضون الى الاهانات والمعاملة السيئة من قبل قوات الامن بما فيها الضرب والرشاوى والشتائم. ولعل اكثر ضحايا هذا الحال هم الطبقات الاكثر هشاشة مثل المسنين والاطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في منتصف مايس الماضي جاء أن 3.7 مليون عراقي قد هجروا قسرا داخل العراق خلال العقد الماضي. ووصفت منظمة اليونيسف هي الاخرى حالتهم بأنها كارثية. ووفقا لتقرير المنظمة الدولية تلك ان 8 ملايين عراقي بحاجة فورية الى مساعدة انسانية، بمن فيهم 3 ملايين نزحوا منذ حزيران الماضي (1420) عندما تمكن تنظيم الدولة الاسلامية من السيطرة على مساحات شاسعة من من العراق وسورية بعد هجوم واسع في تلك المناطق.

غير أن تدفق اللاجئين منذ مايس الماضي تفاقم الوضع بشكل اسوأ بكثير بعد سيطرة الدولة الاسلامية على الرمادي وتحولت الى أزمة حادة خصوصا بعد رفض بغداد واقليم كردستان استقبال اللاجئين بسبب اعمال العنف الحالية. فقد منعت قوات الشرطة والجيش السماح للاجئين بعبور جسر بزيبز الى الطريق العام خارج الرمادي مما ادى الى محاصرة الاف الاسر في الصحراء تحت الشمس الحارقة حيث تصل درجات الحرارة الى 50 مئويه في مايس، خاصة ان هذه الاسر تكون قد مشت على الاقدام اميالا. فهؤلاء اللاجئون لا يستطيعون العودة الى الرمادي بسبب وجود عناصر الدولة الاسلامية وكذلك بسبب قصف دول التحالف

المستمر على المدينة . وقد نقلت شبكات التلفزيون المحلية والمنظمات غير الحكومية والدولية ووسائل الاعلام العالمية قصصا تدمي القلب عن اسر فقدت أبناءها، وأطفال يبحثون عن ذويهم، وامهات يصرخن بطريقة هستيرية …الخ. ولعل أكثر المشاهد اثارة للحزن مما تداولته شبكات التواصل الاجتماعي احتضان رجل لجثة أبنه ورفضه لدفنها وعندما ألحّ عليه الاقرباء والاصدقاء بضرورة دفن جثة الطفل , رماها الى النهر في نوبة هستيرية. كذلك نقلت منظمة هيومن رايتس ووتش قصة أب أغرق نفسه في النهر بعد أن رمى بأبنيه (5 و6 سنوات ) في النهر، ايضا في لحظة انهيار عصبي بسبب العطش وبؤس الموقف.

وكانت مفوضية اللاجئين قد قالت في تقرير لها في 26 مايس أن المدنيين العراقيين الفارين من العنف يواجهون صعوبات جمّة في طريقهم نحو الامان المفترض بما في ذلك شحة الموارد ونقاط التفتيش وصعوبة العبور من خلالها والاجراءات الامنية. فقد تم نقل 40 الف اسرة من منطقة نهر بزيبز الى قرية عامرية الفلوجة بعد ان رفض المسؤولون السماح لهم بالعبور. وبسبب الظروف المناخية الحارقة وانعدام الملجأ والمعدات والمستلزمات الضرورية والمساعدة الطبية فقد الكثير من اللاجئين حياتهم عند جسر بزيبز، وهو يسعون نحو الامان.

وفي مدينة النباعي جنوبي محافظة صلاح الدين أجبرت 900 عائلة على النزوح من قبل وحدات الحشد الشعبي ، وهي ميليشيا شيعية ترفع شعارات موغلة في الطائفية ويفترض ان تقاتل الدولة الاسلامية. وينقل شهود عيان تفاصيل قصص عن قيام الجنود ورجال الميليشيات بعمليات نهب وسلب للبيوت والممتلكات والمواشي والمعدات الزراعية. الشيء نفسه حدث في ديالى حيث تنتظر العوائل المروَعة على حدود كردستان وهي تواجه المصير المعتم نفسه. لقد وصل عدد المهجرين من الرمادي الى 200 الف نازح، وفقا للمنظمات غير الحكومية وكذلك المسؤولين. تقول منظمة هيومن رايتس ووتش “ان السلطات العراقية تمنع (بشكل غير قانوني) الاف العوائل من النجاة بنفسها من المعارك في الرمادي والذهاب الى اماكن آمنة. فالحكومة العراقية تتحمل مسؤولية كاملة في حماية المهجرين داخليا ويجب ان تسمح لهم بالنجاة بانفسهم من الخطر في مناطق سكناهم الى مناطق اكثر امانا”

لقد سقطت الرمادي بيد قوات الدولة الاسلامية في مايس بعد ان ترك مواقعه الجيش العراقي وقوات الشرطة (24 الف شرطي)، تاركين وراءهم اكواما من الاسلحة والاعتدة بما فيها الدبابات والمدرعات والرشاشات الخ ، الامر الذي ترك ليس فقط فراغا امنيا كاملا سمح للدولة الاسلامية للدخول والاستيلاء على تلك الاسلحة، بل ايضا ترك وراءه المدنيين وقد صدموا لرؤية القوات المسلحة تنسحب قبل ان تقاتل وتدافع عنهم. فضلا على ذلك، أن ما يصدم في الامر حقا هو التشابه الفاضح بين سيناريو الانسحاب هذا وما حدث في

الموصل العام الماضي، في حزيران 2014. هكذا ترك المدنيون وقد حاصرتهم نيران الارهاب ايا كانت مسمياته، الدولة الاسلامية ام ميليشيا الحشد الشعبي ، فالاثنان يتهمان المدنيين بالتحالف مع الطرف الاخر. وتقول اغلب التقديرات انه سقط 500 مدنيا وجنديا على الاقل خلال المواجهات العسكرية في الرمادي 16-17 مايس وحده.

ويختلف المحللون والمسؤولون في تفسير السيناريو المتكرر للانسحاب المبكر للقوات المسلحة العراقية. وزارة الدفاع العراقية القت اللوم على القادة الميدانيين باتخاذ القرار الخاطيء. رئيس الوزراء العراقي طالب بتقديم المسؤولين الى محكمة عسكرية. محللون آخرون يعزون ذلك الى ضراوة مقاتلي الدولة الاسلامية و لجوئهم الى اسليب مثل السيارات المفخخة والانتحاريين لمهاجمة المواقع العسكرية. كثيرون آخرون ، بمن فيهم رئيس مجلس محافظة الرمادي صباح كرحوت يتهم الجيش بالجبن.

والغريب أنه على الرغم من مما يبدو من تعارض سياسي بين الميليشيات الشيعية والولايات المتحدة، فأنهما يتفقان على ان الجيش العراقي لايؤدي واجبه كما ينبغي. فقد قال وزير الدفاع الامريكي آشتون كارتر أن الجيش العراقي يفتقر الى ارادة القتال وأوعز أن يتم تسليح العشائر السنية وميليشيا البشمركه الكردية لمحاربة الارهاب. وفي الوقت ذاته أتهم قائد قوات التحالف الدولي في العراق جون آلان ، أتهم حكومة العبادي بأنها لا تسيطر على القوات الموجودة في ساحة المعركة، في أشارة الى الفضائع التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشعبي ضد المدنيين في المناطق التي يتم السيطرة عليها بعد خروج داعش منها. فضلا على ذلك فان ايران هي التي تقود عمليا الفعاليات العسكرية. وفي الواقع فأن ثالث قيادي عسكري من الحرس الثوري الايراني قد قتل في معركة الرمادي وهو جاسم نوري وتم تشييعه في كربلاء. أما الاثنان الاخران فهما رضا حسيني وحميد تقوي وقد قتلا في معركة سامراء.

وقد أكد ناطقان رسميان بأسم الحشد الشعبي وهما كريم النوري واحمد الاسدي مشاركة الميليشيات الايرانية في القتال. واتفق الاثنان مع وزير الدفاع الامريكي في انتقاده لاداء الجيش العراقي وهبوط معنوياته. وتباهى الاثنان مرارا وتكرارا امام شاشات التلفزيون بشراسة الحشد الشعبي متخذين من الجرائم التي ارتكبوها في محافظتي ديالى وصلاح الدين مثالا على عزيمتهم في القتال.

ويستنتج المحللون أن الانسحابات المتكررة للقوات الحكومية هي في الواقع دعوة غير مباشرة لقوات الحشد الشعبي التي تقودها ايران لخوض حرب طائفية ضد المناطق ذات الاغلبية السنية. وبالفعل جاء الضوء الاخضر من الحكومتين الامريكية والعراقية يوم 26 مايس باستخدلم ميليشيا الحشد الشعبي الى جانب القوات الرسمية وبغطاء جوي من قبل قوات التحالف، وبدأ الهجوم على الرمادي بفرض حصار عسكري عليها من ثلاثة محاور .

وقد أطلق على العملية تسمية “لبيك ياحسين” ذات المضمون الطائفي الواضح والذي تسبب في ردود فعل سلبية حتى من الاميركان انفسهم ولذلك غيّر رئيس الوزراء العبادي التسمية رسميا الى “لبيك ياعراق” ولكن الميليشيات المشاركة رفضت تغيير اسم العملية وواصلت رفع الشعارات والرايات ذات المضمون نفسه وصور المرشد الاعلى الايراني آية الله خامنئي على آلياتهم واجسامهم. ويرى المحللون ان عملية الرمادي ستكون معركة كسر العظم بالنسبة للجانبين المتحاربين. فالحكومة قلقة على بغداد المجاورة (100 كلم)، وليس امام الدولة الاسلامية من خط رجعة. وبينما يستمر الحصار على الرمادي تقوم قوات داعش بشن هجمات شديدة على قاعدة الحبانية الستراتيجية، وتتسبب في قتل العشرات. ومن جانب أخر تجري عمليات عسكرية عنيفة في مثلث الجزيرة الستراتيجي (المنطقة الواقعة بين محافظات صلاح الدين والانبار ونينوى) لقطع الامدادات على الرمادي المحاصرة. ولكن العديد من المدن والقرى الواقعه في الجزيرة قد تعرضت الى حملات القتل والتهجير والتدمير والتنكيل من قبل جميع الاطراف المتحاربة. وتختلف الروايات عن الارقام الا أنها جميعا تتفق على أنها بالمئات.

ولعل واحدة من اكثر الجرائم الثقافية تراجيدية هي جريمة تفجير قلعة الشرقاط الاثرية التي تعود الى 3000 سنة قبل الميلاد، وبذلك تكون أقدم موقع اركيولوجي في المنطقة، وهي مسجلة ضمن التراث الانساني في اليونسكو. وتقول روايات الشهود ان داعش لغمت بوابتي الاله آشور الحجريتين بكميات كبيرة من المتفجرات ونسفتهما. واعتبرت منظمة الامم المتحدة هذه الجريمة جريمة حرب ضد الثقافة العراقية لا تقل أهمية عن جرائم قتل البشر. وكانت داعش قد دمرت مدينة النمرود التاريخية قبل ثلاثة اشهر.

غير أن تصوير الصراع في الاعلام الغربي السائد خاصة يسهم في عدم فهم طبيعته وعدم معرفة الابعاد اللانسانية والظروف القاتلة التي يعيشها الشعب العراقي. هذا الاعلام يحيّي الحرب على الارهاب على انها حرب تجلب الحضارة الى الارهاب الاسلامي البدائي، والاخبار لا تحاول تحليل القصص والمآسي التي تعرضها، بل تكتفي بتقديم صور عامة عن دبابات وعجلات عسكرية تحوم في شوارع متربة بينما يتحدث عتاة الصحفيين عن حرب لتحرير العراق من الارهاب الاسلامي. ولا يعرف المشاهدون تأثير هذه المعارك على الاطفال والاسر وأزمة النازحين، ناهيك عن أبعاد الصراع وجذوره واسبابه وعلى رأسها الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003.

وفي الوقت ذاته تغرق شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت بفديوات مرعبة لرجال الميليشيا وافراد الجيش العراقي في مواقف اجرامية ضد المدنيين. فهؤلاء الرجال يشاركون في عمليات قتل وذبح وطعن وشنق وحرق وضرب مبرح ضد أناس غير مسلحين، فرادى او جماعات، في وضح النهار وعلى رؤوس الاشهاد. بينما تظهر فديوات أخرى عسكريين ورجال الميليشيا وهم ينهبون البيوت والمحال ثم يحرقونها ،

بينما تنقل السيارات اكواما من الجثث وتسمع بوضوح عبارات شتائم طائفية بذيئة ضد رموز سنية. تظهر تلك الافلام ايضا العديد من المدن والقرى العراقية وهي مهجورة تماما، أماكن يفترض أنها “محررة” من قبل الجيش العراقي والتحالف الغربي لمحاربة الارهاب. ولعل واحد من تلك الافلام المرعبة مما تداولته شبكات التواصل الاجتماعي هو الفديو الذي يعرض طفلا في العاشرة جالسا على الارض محاطا بعدد من الجنود الضخام وهم يعنفونه ويضربونه بايديهم وبساطيلهم، بعدها بلحظات تسمع صوت اطلاقات ويشاهد الطفل مرميا على الارض غارقا في بركة من الدماء مما يذكر بشكل جارح بالطفل محمد الدرّة الذي قتله الجنود الاسرائيليون في حضن ابيه في غزّة عام 2000.

اعلان

هذه الافعال الرهيبة ليست منشورة على مواقع داعش او اي جماعة معارضة للحكومة العراقية، بل هي تنشر على مواقع الجيش العراقي والميليشيات الطائفية نفسها او مواقع مرتبطة بها، وهي تتباهى بارتكابها، تلك الجماعات التي دربتها ومولتها وسلحتها الولايات المتحدة والحكومة العراقية وايران. وكما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش في ايلول العام الماضي:

تواصل الولايات المتحدة ارسال الامدادات العسكرية الى العراق بينما وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات يعجز اللسان عن وصفها من قبل قوات موالية لحكومة المالكي: القصف العشوائي الذي يودي بحياة المئات وحتى الالاف في المناطق السنية والتعذيب في السجون والاعدام خارج اطار القانون ، ونظام قضائي يتميز

بأنه أكثر انتهاكا للقانون منه الى تحقيق العدالة ومؤخرا قام المالكي بضم ميليشيا شيعيه الى القوات المسلحة .1الى درجة بحيث أنه لا يمكن تمييز الواحدة منها عن الاخرىالحكومية

ويبقى السؤال: لماذا تصر الولايات المتحدة وسواها من القوى الكبرى في العالم على حل المشكلة بارسال المزيد من الاسلحة بعد أن ثبت عدة مرات أن هذا ليس هو الحل؟ لماذا لا تحاول أن تبحث عن حل سياسي من خلال الحوار؟ فما يحدث الان هو ان الشعب العراقي تحاصره نيران الارهاب البربري من كل الاتجاهات وتحت مختلف التسميات سواء من داعش ام من الميليشيات المدعومة من ايران ام القصف العشوائي الذي يقتل المدنيين.

لابد من معالجة مشكلة ملايين اللاجئين التي ظهرت بعد غزو عام 2003 ، والقاء المسؤولية كاملة على تلك الدول التي شاركت في الغزو وفتحت الابواب على مصراعيها لخلق الازمة الحالية. نحن بحاجة حتمية للعثور على حل سياسي يوقف سفك الدماء الذي دمر العراق.

اعلان
شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق

فيديو: صاروخ إيراني في طريقه إلى إسرائيل أسقط في أربيل شمال العراق

لإجراء محادثات بشأن إنهاء التحالف الدولي.. رئيس الوزراء العراقي يتجه إلى الولايات المتحدة