"بريكست" مأزقٌ جديد لجبل طارق

"بريكست" مأزقٌ جديد لجبل طارق
Copyright 
بقلم:  Hassan Refaei
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

على مدار مئات السنين بقيت بريطانيا وإسبانيا على خلاف حول السيادة على جبل طارق، هذا الإقليم الذي يبلغ عدد سكّانه نحو 40 ألف نسمة ذوي الأصول بريطانية والإيطالية والمالطية والبرتغالية والمغربية والإسبانية

اعلان

لم تخف بريطانيا غضبها الأسبوع الماضي جرّاء توصيف الاتحاد الأوروبي لإقليم جبل طارق الأسبوع الماضي بأنه "مستعمرة للتاج البريطاني"، وهو التعبير الذي تضمنته وثيقة تحدد نظام التنقل بين دول الكتلة والمملكة المتحدة بعد مغادرة الأخيرة للتكتل الأوروبي.

الوثيقة الأوروبية المشار إليها تضمنت تمييزا بين البريطانيين المقيمين في المملكة المتحدة وأولئك الذين يقيمون في جبل طارق، في إشارة ضمنية إلى الخلاف القديم القائم بين المملكة المتحدة وإسبانيا على تبعية تلك المنطقة.

رد الفعل البريطاني، بشأن التوصيف الأوروبي لإقليم جبل طارق، جاء على لسان السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي الذي قال أثناء اجتماع مع ممثلين أوروبيين الجمعة الماضي: "جبل طارق ليس مستعمرة، ومن غير اللائق أبدا وصفه بهذه الطريقة"، أما المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، فقال: إن وصف جبل طارق بالمستعمرة غير مقبول وهذا الإقليم "جزء كامل من العائلة البريطانية".

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يثير فيها إقليم جبل طارق خلافاً في مفاوضات "بريكست"، ففي العام الماضي قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إنه سوف يصوت ضد مشروع اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حال لم يتم توضيح خطط المحادثات المستقبلية بشأن وضع جبل طارق.

إقليم جبل طارق

على مدار مئات السنين بقيت بريطانيا وإسبانيا على خلاف حول السيادة على جبل طارق، هذا الإقليم الذي يبلغ عدد سكّانه نحو 40 ألف نسمة، بضع آلاف منهم عسكريون بريطانيون مع عائلاتهم، والباقي هم من المدنيين ذوي الأصول البريطانية والإيطالية والمالطية والبرتغالية والمغربية والإسبانية، أما اللغة الرسمية في الإقليم فهي اللغة الإنكليزية على الرغم من أن معظم السكان يتكلمون الإسبانية.

ويعمل السكان بشكل أساسي في تقديم الخدمات للقاعدة العسكرية البريطانية ولحوض بناء السفن وترميمها وأيضاً في الخدمات السياحية، ويعتمد الإقليم على تأمين حاجاته من المواد الغذائية من الخارج عن طريق الاستيراد.

ويكتسب إقليم جبل طارق أهمية عسكرية كبيرة، بسبب موقعه الجغرافي المشرف على مضيق جبل طارق من ناحية الشمال حيث يربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي، ويفصل بين أقصى جنوب إسبانيا والشاطئ الشمالي لإفريقيا.

إسبانيا وبريطانيا ومعاهدة أوترخت

في عام 1462م. أصبح جبل طارق جزءاً من المملكة الإسبانية وظل تحت الحكم الإسباني حتى عام 1704، بعدها استولى الأسطول الإنجليزي الهولندي عليه، وفي نهاية الحرب تنازلت إسبانيا عنه لبريطانيا وفقًا لشروط معاهدة أوترخت عام 1713.

في النصف الأول من القرن العشرين، كان غالبية سكّان جبل طارق يتحدثون اللغة الإسبانية، وكانوا أقرب ثقافيًا إلى أسبانيا، ولكن بحلول نهاية القرن، شعر السكّان أنهم بريطانيون أكثر من الناحيتين السياسية والثقافية، حسبما قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة إسكس أندرو كانيسا.

وخلال الحرب العالمية الثانية، تم إجلاء معظم السكان المدنيين في جبل طارق إلى لندن، كما تم تحصين المنطقة في وجه الجيش الألماني، وبحلول عام 1942، كان هناك أكثر من 30 ألف جندي بريطاني في جبل طارق.

الدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو

وبعد انتهاء الحرب، صوت سكّان جبل طارق بأغلبية ساحقة لمواصلة ارتباطهم بالمملكة المتحدة إثر قيام الدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو بتقييد الحركة بين جبل طارق وبلاده في الستينيات من القرن الماضي، ورداً على ذلك، أغلقت إسبانيا الحدود تمامًا مع جبل طارق وقامت بقطع علاقاتها معه، وفي العام 1985 تم إعادة فتح الحدود مرة أخرى وذلك قبيل انضمام إسبانيا للمجموعة الاقتصادية الأوروبية.

في سنوات ما بعد الحرب العالمية، بدأ التعليم في مدارس الإقليم باللغة الإنكليزية، وتؤكد كانيسا على أن المملكة المتحدة عملت على جذب سكّان جبل طارق إليها عبر خطط تعليمية وإدارية وإعلامية.

وجدد غالبية سكّان جبل طارق رغبتهم في البقاء ضمن بريطانيا في استفتائين أجريا عامي 1968 و2002 حين اختار سكان الإقليم الحكم البريطاني على الحكم الإسباني، رافضين اقتراحاً بتقاسم السيادة على الإقليم بين إسبانيا والمملكة المتحدة.

كيف يتعاطى الإسبانيون مع جبل طارق؟

وفقا لكانيسا، فإن الآراء الإسبانية تجاه جبل طارق منقسمة حسب الفئات العمرية والاجتماعية وحسب العلاقة التي تربط ما بين هؤلاء وبين الإقليم، فبعضهم يجد أنه إقليم منفصل، وبعضهم الآخر يميل إلى التعاطي معه باعتباره حاضنة لحضارتين (المحلية والإسبانية)، وآخرون ينظرون إليه باعتباره مكاناً بريطانياً.

كيف ينظر البريطانيون إلى جبل طارق؟

معظم البريطانيين في المملكة المتحدة ليس لديهم رأي حول جبل طارق، يقول كانيسا، مضيفاً أن الكثير من الناس لا يعرفون حتى أن هذا الإقليم موجود.

لكن، يتابع كانيسا: "الناس الذين يعرفون هذا الأمر يرون أنه مكان مليء بالحنين إلى البريطانيين. إنهم يرون هذا المكان بريطانياً بامتياز، ذلك أنه مكان يمكنك فيه أن تتخيل فيه الماضي البريطاني".

وماذا عن سكان جبل طارق الأصليين؟

أخبر كانيسا يورونيوز أنه منذ التسعينيات من القرن الماضي، بدأت هناك ملامح وعي قومي أخذ بالتبلور في جبل طارق باعتبار أنّه إقليم ليس بريطانياً وليس إسبانياً.

لكن البروفيسور كانيسا، وهو من سكّان جبل طارق نفسه ، تحدث عن قلق السكان المحليين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

اعلان

يقول كانيسا: حتى وقت قريب، كان جبل طارق موضوعًا بين دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي وكان الاتحاد الأوروبي نفسه محايدًا. والآن ، فهو بين إسبانيا، عضو في الاتحاد الأوروبي، وطرف ثالث. وكان هناك خلال الأسبوع الماضي هناك مؤشرات على أن الاتحاد الأوروبي بدأ يميل إلى الجانب الاسباني.

ويضيف : إن سكان جبل طارق قلقون للغاية بشأن نوايا أسبانيا، وبسبب هذه النزعة القومية الأخيرة ، يحب أن يتم التعاطي مع جبل طارق كدولة بدلاً من كونه مستعمرة.

ويمضي الأستاذ كانيسا إلى القول: إن ركيزتي جبل طارق البريطانية هما الامن الاقتصادي والسياسي ويهدد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي كلا الأمرين.

والجدير بالذكر أن رئيس وزراء جبل طارق فابيان بيكاردو أكد في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي أن شبه الجزيرة ستكون جزءا في أي اتفاق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أن يغادر إقليم جبل طارق الاتحاد الأوروبي إلى جانب المملكة المتحدة في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس القادم.

اعلان
شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

الاتفاق بشأن جبل طارق يفسح المجال أمام عقد قمة الانفصال البريطاني

بتهمة استخدام شعارات نازية.. بدء محاكمة سياسي يميني في ألمانيا

حاولا عرقلة المساعدات العسكرية لأوكرانيا.. ألمانيا تعتقل رجلين بتهم التجسس لصالح روسيا