Euroviews. عندما تلوث الدعاية ثقافتنا

عندما تلوث الدعاية ثقافتنا
بقلم:  Euronews
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز

عندما تلوث الدعاية ثقافتنا

د محمد غاني، كاتب –المغرب

اعلان

حينما يناقش جان جاك روسو الفلاسفة في طريقة بحثهم عن الحقيقة، و أن سبيلها في نظره، هو الوجدان و ليس العقل، حين يعلن بلغة عربية فصيحة على لسان الدكتور عبد الله العروي في كتاب روسو المترجم للعربية تحت عنوان "دين الفطرة" قائلا:"لأن من ينفي وجود الضمير كأساس للاخلاق و هو ما اجمعت عليه و اعترفت به الانسانية، لا يقدم اي برهان على ما يدعي. يقول بعدم وجود كما نقول نحن بوجود الضمير. القولان متعادلان. لكن لنا عليهم ميزة تتمثل في صوت الوجدان، في شهادة الضمير لنفسه".

ينطلق العديد من المفكرين من ان المشكلة الاخلاقية تعتريها ضبابية كبيرة تشوش على الرؤية العقلية وحدها لذلك يدافع روسو على الطرح الوجداني باعتباره سبيلا ناجعا لازالة تلك الغشاوة في الرؤية العقلانية للمسألة لذلك يكمل قولته السابقة قائلا:"ان بهرنا في البدء التمحيص العقلي لهذه المسألة و جعل الاشياء تشتبه علينا فما علينا الا ان ننتظر قليلا حتى ينقشع الضباب".

لتمحيص اي ضباب يقصده روسو في هذا السياق نحيل القارئ النهم الى الانصات على الوثائقي ذي الاهمية البالغة حول "الاتجاه التجريدي" المعنون ب "minimalisme"، المبثوث على القناة الامريكية نت فليكس، و الذي ينطلق من هاته الفكرة بالذات، من أن حياتنا مليئة بضبابية السلوكات الاعتيادية التلقائية التي تجعنا حسب الكاتب الامريكي دان هاريس منشغلين في البحث بقوة عن الماديات لدرجة كبيرة تجعلنا في الغالب بائسين".

ان لهث الانسان وراء الماديات اذا كان بحثا جادا دون اعتباره وسيلة لا مقصدا، يؤدي في غالب الاحيان الى نقيض المقصود، لذلك تجد اغلب من حقق مقاصده المادية في حيرة من امره، لانه حيث ظن في السابق ان وصوله الى كنز اكبر قدر يمكنه من الماديات سيحقق سعادته في حين ان العديد ممن نحوا هذا المنحى اصبتهم حالات من الاكتئاب و الحزن الشديد لعدم ديمومة شعورهم الاولي بالغنى اذ سرعان ما يمحي هذا الشعور و يصير روتينا اعتياديا.

يستشهد احد التجريديين و هو الامريكي ريان نيكوديموس بأن احد اهم الاسباب التي دعته للنهج التجريدي، هو شعوره الدائم بالاكتئاب، رغم ان كل من حوله كان يعتبره انسانا ناجحا، لانه في نظرهم حقق كل شيء يمكن ان يحلم به اي شخص في حياته، لكنه كان دائم الشعور بفجوة كبيرة في حياته، حاولا بدءا ملأها باقتناء العديد من المشتريات الاستهلاكية في سبيل الحصول على شعور بالسعادة متوهمة، يقول متوهمة لانه كان يجري من اجل الحصول على راتب و يلهث لاجل اقتناء اشياء.

يتساءل عالم الاعصاب الامريكي ريك هانسون عن سبب لهث العديد وراء المزيد من المقتنيات وسط مجتمع كالمجتمع الامريكي، الذي حقق اعلى معدلات الرفاهية في العيش فوق المعمورة، و يرجع الأمر في ذكاء متقد الى ان البشرية لا زالت رغم تفوقها التقني تشعر بجوع متوهم و خوف من المستقبل، يجعلها دائمة السعي لسد ثغراته و سبيلها في الوصول الى ذلك هو الرجوع بخيوط دمى البشرية الى ماض سحيق حيث كان الانسان يعيش فاقة في كل شيء، تلك الفاقة لا زال يصطحبها معه الى اليوم.

هاته النقطة بالذات هي التي يستغلها اصحاب الشركات و رؤوس الاموال الكبيرة في الدعاية لمنتوجاتهم من اجل تسويق اكبر، يرى المستثمر الامريكي جيسي جاكوب ان شعورا بالفرح ينتابنا عند شراء سيارة اولى لكن سرعان ما تجتاحنا رغبة جامحة لشراء سيارة جديدة لمللنا من الاولى، انه ادمان حقا يرجع سببه في نظره الى برمجة عقلية نحن مدعوون دوما عبر الدعاية الجيدة الى الحفاظ عليها بالحصول على المزيد من التقنية و المعلومات.

تجند الشركات الكبرى كل الوسائط التواصلية الحديثة من فيسبوك و انستغرام و غيرها من اجل اقناعنا باقتناء المزيد للحصول على السعادة او حتى الاقتراب منها، ترى خبيرة الموضة الامريكية شانون وايتهيد ان ذلك اللهث يرجع وراء غشاوة تنتابنا تجعل الوهم حقيقة نسعى وراءها، وهم ان حياتنا ينبغي ان تشبه حياة النجوم لنحصل على السعادة الحقيقة.

يرى خبير الاعصاب الامريكي سام هاري سان انه من الطبيعي جدا ان تستخدم الشركات الكبرى نماذج من النجوم ليحتذي بها آخرون فيتم تسويق المنتوجات التي تقوم بالدعاية لها دور مشهورة كفانيتي فير و ايسكواير و غيرها لان منتجات هاته الدور تصبح بفض الدعاية المتقنة مشاريع اغلب الناس.

ان الدعاية حسب خبيرة الاقتصاد و المجتمع الامريكية د جولييت شور هي التي لوثت ثقافتنا، دعاية اخترقت ثقافتنا عبر الافلام و الكتب و المجلات و البرامج التلفزية و المقاهي و الحانات التي قد يظن ظان انه يتبادل حديثا شيقا داخلها مع صديق حميم، في حين انه حسب نفس المفكرة، انما سقط في شبكة الشركات الكبرى لترويج الخمورتستغل مدخوله لتربح اكثر.

ترى الدكتورة المتخصصة في الاكتناز القهري جايل ستيكيتي ان روابط عاطفية نبنيها في الصغر مع الاشخاص الذين يولوننا بالاهتمام سرعان ما نحولها من الاشخاص الى الاشياء و الاغراض .

تعود الدكتورة جولييت هور لتؤكد ان الاغراض و الاشياء التي نقتنيها باستمرار بفضل الدعاية، نستغني عنها ايضا بسرعة لنفس السبب، لان الاشهار يوهمنا انها لم تعد مواكبة للموضة، حيث انها و ان كانت لا زالت في حالة جيدة سرعان ما يتم التخلص منها.

يرى عالم الاعصاب ريك هانسون ان قدر معين من المال الذي ينقلنا من حالة الفقر الى استقرار نفسي معين قد يحقق شيئا من السعادة لكن التمادي في كنز الاموال لا يعني بالضرورة الزيادة في منسوب السعادة لذلك يستشهد بقولة رائعة لجيم كاري يقول فيها اتمنى ان يصبح الجميع اكثر شهرة و مالا ليدركو انها ليست الاجابة الصحيحة".

ان فلسفة الاتجاه التجريدي الذي اصبح ينمو شيئا فشيئا في الولايات المتحدة الامريكية اننا كبشر نسعى لتحقيق المزيد من الربح المادي لانه يوهمنا بتحقيق الامن لكن حسب الكاتب الامريكي باتريك رون لكننا لا نملك السيطرة على امكانية تحقيق المزيد بل الذي نملكه هو القدرة على انفاق اقل و ذلك يسمح لنا بالتمتع بما نملكه.

يركز هذا الاتجاه على الحياة ببساطة كفلسفة اساسية في الحياة، حياة بدون بهرجة، حياة ليست سهلة لكن بسيطة، اتجاه يحاول ان ينقص من جنون اللهث وراء المادة، انه العقل حينما يتوافق مع وجدان روسو و زهد المتصوفة و رواد الاتجاه التجريدي، اليس كل ذلك مدعاة للتفكير في تقوية المشترك الانساني و الاحتفاظ خصوصية بصمات الفكر و العقيدة في تحديد هوية كل انسان؟

للكاتب

لنجعل عقولنا أكثر مرونة، نكن أكثر ابداعا

نحو بث الروح في حضارتنا المعاصرة

أن تكون مبدعا.. لا أن تكون الأول

اعلان

لنضبط العقل على الموجة التي نريد

بيولوجيا الذاكرة...

د محمد غاني، كاتب –المغرب.

المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

اعتقال ألماني في تركيا لنشره دعاية مؤيدة للأكراد

هل تتخلى شركات السيارات عن المرأة "السلعة" في الدعاية والترويج لآلياتها؟

وفاة السكرتيرة السابقة لغوبلز وزير الإعلام والدعاية النازية