انضمت جوزفين بيكر إلى البانثيون، مقر لدفن الرموز الفرنسية الشهيرة مثل الكاتب فيكتور هوغو، لتكون أول سوداء تحصل على هذا التكريم يوم الثلاثاء 30 نوفمبر الجاري.
انضمت جوزفين بيكر إلى مقبرة العظماء "البانثيون"، مقر لدفن الرموز الفرنسية الشهيرة مثل الكاتب فيكتور هوغو، لتكون أول سوداء تحصل على هذا التكريم يوم الثلاثاء 30 نوفمبر الجاري.
سيتم إيداع تابوت يحمل تربة من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وموناكو، وهي الأماكن التي تركت بيكر بصمتها فيها، داخل نصب البانثيون في العاصمة باريس. وسيبقى جسدها في موناكو بناء على طلب أفراد عائلتها.
وتأتي هذه المراسم عقب قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تكريم شخصية استثنائية في التاريخ الوطني، لتكون خطوة رمزية تهدف إلى إرسال رسالة ضد العنصرية والاحتفاء بالروابط الأمريكية الفرنسية.
وكما قال الكاتب لوران كوبفرمان: "إنها تجسد قبل كل شيء، حرية المرأة".
البانثيون، الذي بني في نهاية القرن الثامن عشر، كرّم 72 رجلا وخمس نساء، وستكون بيكر السادسة لتنضم إلى شخصيتين من السود آخرين في الضريح، وهما: المقاوم الديغولي فيليكس إيبوي والكاتب الشهير ألكسندر دوما.
مسرح الشانزيليزيه 1925
حققت بيكر نجاحا سريعا على خشبة مسرح الشانزليزيه حيث ظهرت عارية الصدر وترتدي حزام الموز الشهير. وجسد عرضها الصور النمطية العنصرية عن المرأة الإفريقية في زمن الاستعمار، تسبب في حالة تباينت بين الإدانة والاستحسان.
يقول أوليفييه لاشو، المتحدث باسم مسرح الشانزليزيه: "لقد كانت تعكس الخيال.. ليس الجسد الأسود لامرأة أمريكية بل جسد امرأة إفريقية. هذا هو السبب الذي جعلهم وقتها يطلبون من جوزفين أن ترقص بشكل قبليّ، وحشي يشبه الأفارقة".
ولم تتوقف بيكر عند هذا الحد، بل أخذت مسارها المهني على محمل الجد، وتعلمت التحدث بخمس لغات وتجولت العالم.
ثم تزوجت بيكر من اليهودي جان ليون عام 1937، والذي عانى فيما بعد من قوانين معادية للسامية لنظام فيشي المتعاون. وقد وقع الاختيار على تاريخ 30 نوفمبر لأنه نفس اليوم الذي حصلت فيه جوزفين على الجنسية الفرنسية.
تمكنت جوزيفين بيكر من دخول عالم نخبة باريس، وأصبحت أول نجمة سوداء في العالم وواحدة من أكثر النساء اللاتي تم تصويرهن وأعلى الفنانات أجرا في أوروبا.
جاسوسة.. منقذة فرنسا من الألمان
في سبتمبر 1939، عندما أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على ألمانيا النازية، اتصلت بيكر برئيس جهاز مكافحة التجسس الفرنسي وبدأت العمل كمخبرة، تسافر وتتقرب من المسؤولين.
ويذكر أنها كانت تنقل رسائل مشفرة بالحبر في أوراق الموسيقى الخاصة بها لتوصيل المعلومات السرية، وفقا لأرشيفات الجيش الفرنسي.
قال الباحث والمؤرخ جيرود ليتانغ إن بيكر عاشت "حياة مزدوجة بين فنانة استعراضية من ناحية، وحياة سرية من ناحية أخرى كجاسوسة للاستخبارات".
وبعد هزيمة فرنسا في يونيو 1940، رفضت التعاون مع النازيين الذين احتلوا باريس. وواصلت بيكر العمل في المقاومة الفرنسية مستخدمة عروضها الفنية كغطاء لأنشطتها التجسسية.
في ذلك العام، جلبت إلى فرقتها العديد من الجواسيس الذين يعملون لصالح الحلفاء، مما سمح لهم بالسفر إلى إسبانيا والبرتغال. وقال ليتانغ: "لقد خاطرت بعقوبة الإعدام أو، على الأقل، بالقمع القاسي لنظام فيشي أو للمحتل النازي".
وفي عام 1942، غادرت الفنانة الأمريكية الأصل فرنسا في حالة مرضية خطيرة متوجهة إلى شمال إفريقيا حيث جمعت معلومات استخباراتية للجنرال شارل ديغول، بما في ذلك التجسس على البريطانيين والأمريكيين.
ويقال إنها جمعت الأموال، بما في ذلك من أموالها الشخصية. وتشير التقديرات إلى أنها جلبت ما يعادل 10 ملايين يورو (11.2 مليون دولار) لدعم المقاومة الفرنسية.
كما نظمت بيكر حفلات موسيقية للجنود والمدنيين بالقرب من مناطق القتال. وبعد هزيمة النازيين، ذهبت إلى ألمانيا لتغني للسجناء والمبعدين السابقين المحررين من المعسكرات.
وكما أوضحت بينيتا جولز روزيت، الباحثة البارزة في حياة بيكر وأستاذة علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا: "كانت مشاركة بيكر في السياسة فردية وغير نمطية".
مناهضة للعنصرية
بعد انتهاء الحرب، انخرطت جوزفين بيكر في السياسات المناهضة للعنصرية. حاربت ضد الفصل العنصري الأمريكي خلال جولة فنية في الولايات المتحدة عام 1951، مما تسبب في استهدافها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووصفها بأنها شيوعية ومُنعت من وطنها لمدة عقد كامل.
وتم رفع الحظر من قبل الرئيس جون كينيدي في عام 1963، وعادت لتكون المرأة الوحيدة التي تحدثت في مارس في واشنطن، قبل خطاب مارتن لوثر كينج الشهير "لدي حلم" أو I have a Dream.
وعند عودتها إلى فرنسا، تبنت 12 طفلا من جميع أنحاء العالم وأنشأت "قبيلة قوس قزح" لتجسيد نموذجها ورؤيتها الخاصة "الأخوة العالمية".
وبعد مرور عدة سنوات، واجهت بيكر مشاكل مالية وطُردت وفقدت ممتلكاتها، إلا أن أميرة موناكو غريس كيلي دعمتها وقدمت لها مكانا تعيش فيه هي وأطفالها.
حاولت بيكر بناء حياتها المهنية لاسترجاع شهرتها وبريقها على خشبة المسرح، ولكن الموت كان على بعد خطوات قليلة منها. وفي عام 1975، بعد أربعة أيام من الافتتاح المتوقع لجولة العودة، سقطت جوزفين بيكر في غيبوبة وتوفيت بسبب نزيف في المخ، ودفنت في موناكو.