بالصور: مع غياب شبه كلي للكهرباء .. سكان دمشق ينعشون أعمال الحمَّامات العامة الأثرية

بعد سنوات طويلة من الحرب والأزمات الاقتصادية، وصولاً إلى أوضاع معيشية يومية تفتقر إلى أبسط المقومات، بدأت تنتعش في سوريا عادات كانت قيد الاندثار بعد أن أهملت لفترات طويلة بفعل أنماط الحياة الحديثة.
من أبرز الأزمات في سوريا اليوم أزمة الطاقة، فمع انقطاعات الكهرباء في جميع أنحاء البلاد والتي تتجاوز العشرين ساعة يومياً، ومع شح الوقود وارتفاع أسعاره، تحولت عادات يومية بسيطة وبديهية، كالاستحمام مثلا بالمياه الساخنة، إلى مهام شبه مستحيلة تتطلب تنسيقاً وتخطيطاً وتقنيناً شديداً.
نتيجة لهذا الحرمان، اتجه السوريون لمحاولة إيجاد بعض البدائل المتاحة، فكانت الوجهة الحمَّامات العامة أو ما يعرف بـ "حمام السوق" محلياً. لتنتعش الحمَّامات بعد أن كانت في طريقها للتلاشي في الأجزاء القديمة من المدن السورية الرئيسية، كدمشق وحلب وحمص.
اليوم عاد المشهد التالي مثلاً ليصبح مألوفاً في حمام البكري الشهير في منطقة باب توما في دمشق القديمة: رجال ملفوفون في مناشف من الخصر إلى أسفل الجسد، يستلقون على أرضية رخامية، ويقوم مدلكون بفرك بشرتهم بقوة باستخدام لوفة مبللة بالصابون يغسلونها بالماء الساخن.
وحول نافورة سداسية الشكل - توجد تقليدياً في المنازل الدمشقية القديمة - يرتشف الزبائن منقوعاً من الأعشاب والزهور المجففة المعروفة باسم "الزهورات" ورائحة مهدئة تملأ الهواء حول السقف المقبب.
بعد كساد طويل عانت منه الحمّامات -التي يبلغ عمر بعضها في سوريا ما يقارب الألف عام- بسبب طغيان التحديث وغياب السياحة عن البلد الذي دمرته الحرب وتقلص الأجور، تعاود الآن نشاطها من خلال استقبال زوار محليين عوضاً عن السياح.
دمشق، إلى جانب مدن عربية كبرى كبغداد والموصل والقاهرة، هي موطن لبعض أقدم وأفضل الحمامات في البلاد التي أُغلق العديد منها عبر السنين.
يقول المسؤولون في الحمامات العامة المتبقية في دمشق إنهم عاودوا ممارسة نشاطهم التجاري مرة أخرى، لكن هذا يرجع في الغالب إلى السكان الذين يأتون للحصول على الماء الساخن الذي أصبح رفاهية لا يملكونها في المنازل، بسبب أزمة انقطاع الكهرباء. قلة هم الذين يستطيعون شراء مولد خاص أو دفع ثمن الوقود.
يقول أصحاب الحمامات العامة إن الظروف رغم صعوبتها، تساعد بطريقة ما في الحفاظ على هذا التقليد على قيد الحياة. فمقابل 10000 ليرة (أقل من 3 دولارات)، يحصل زبائن حمام البكري على مناشف ولوفة وقطعة من صابون زيت الزيتون التقليدي، إضافة إلى خدمة فرك البشرة والتدليك التي غالباً ما تتم على أنغام موسيقى عربية في الخلفية.
يقول حسام حمامي، مدير حمام البكري: "الحصول على حمام ساخن مختلف تماماً عن الاستحمام بمياه باردة خاصة في درجات الحرارة هذه.. نحن نمر بوقت عصيب الآن. هناك القليل من الكهرباء والمياه قليلة، لذا لا يحصل الناس حتى على فرصة لتسخين المياه، لذلك نجد أن الكثير من الناس يأتون مرة واحدة في الأسبوع.. هؤلاء ليسوا سائحين يتطلعون إلى الاسترخاء، هؤلاء الناس سكان يأتون للاستحمام".
يذكر أن حمام البكري هو واحد من أقدم الحمامات في دمشق، وقد تأسس عام 1069.