ما زال لغز قائد حركة حماس في قطاع غزّة، يحيى السنوار، يحيِّر صُناع القرار في إسرائيل، التي تضعه على قائمتها للاغتيالات. فبعد إطلاق سراحه فى صفقة تبادل للأسرى، أوهم خلالها الإسرائيليين بأن "ردع حماس قد تحقق"، خطط لعملية طوفان الاقصى التي هزت صورة تل أبيب و كبدتها خسائر فادحة.
منذ السابع من أكتوبر والعالم مشغول بمن يقف وراء طوفان الأقصى. فقد نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية قبل أشهر تقريراً عن زعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة يحيى السنوار، العقل المدبر الذي خدع النظام الإسرائيلي وهز الصورة النمطية وقدرة أجهزته الاستخباراتية والأمنية.
"رجل حماس القوى" الذى تلقبه إسرائيل بوزير دفاع الحركة وتضعه على قائمتها للاغتيالات، عاد من السجون بثأره، بعد إطلاق سراحه فى صفقة تبادل عام 2011، صرّح خلالها لصحفي إيطالي: "لا أريد الحرب بعد الآن وأريد وقف إطلاق النار" وأضاف بشأن طموحه بالنسبة للقطاع الساحلي الفلسطيني الفقير: "يمكننا أن نصبح مثل سنغافورة أو مثل دبي".
بهذه الطريقة خلق السنوار وهْمًا بأن حركة حماس، التي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية، تتخلى عن "العنف" في مقابل التركيز على الاستقرار وحكم القطاع.
زرع السنوار هذه الفكرة في أذهان الإسرائيليين، فساد شعور بالارتياح، وقالت وكالة بلومبيرغ إن الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة قلص بشكل كبير حجم مراقبته للسياج الحدودي مع غزة، من خلال الاعتماد على أجهزة الاستشعار الإلكترونية ونقل القوات إلى خارج المنطقة لحراسة المستوطنات في الضفة الغربية.
ونقلت الوكالة حديث المحلل الإسرائيلي "تشين أرتزي سرور" لصحيفة يديعوت أحرونوت، قال فيها إن محللي الاستخبارات العسكرية الطموحين آثروا التركيز على إيران وسوريا لأن العمل على القضايا التي تمس الشأن الفلسطيني لم يكن يعتبر ذا أهمية وجودية.
لكن زعيم حماس ظهر باعتباره العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر والهدف الرئيسي لرصاص الاغتيال الإسرائيلي، وافترض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن القيادي مختبئ في أعماق نفق في غزة واصفاً إياه "مثل هتلر الصغير في مخبأ".
من هو السنوار؟
ولد السنوار (61 عاماً) في حي فقير بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وساعد في تأسيس الجناح العسكري لحركة حماس في أواخر الثمانينيات مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وتولى القيادي الفلسطيني فيما بعد مهمة القضاء على المتعاونين الفلسطينيين مع إسرائيل "الجواسيس"، وكان مسؤولاً عن مقتل أربعة منهم، وحكمت عليه السلطات العسكرية الإسرائيلية، التي كانت لا تزال تحتل في ذلك الوقت غزة وتدير شؤونها، بالسجن مدى الحياة في عام 1989.
وفي السجن، أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس وراء القضبان، كما أمضى ساعات في التحدث مع الإسرائيليين، وتعلم ثقافتهم ولغتهم و"كان مدمنا على القنوات الإسرائيلية"، كما يؤكد مسؤول كبير سابق في خدمة السجون الإسرائيلية للصحيفة.
وصف الإسرائيليون السنوار بأنه "زعيم جذاب وعنيد بدم بارد وهو رجل قصير ومفتول العضلات تحول شعره ولحيته المقصوصة إلى اللون الأبيض".
وخلال فترة تواجده بالسجن بدأ القيادي الحمساوي يعاني من الصداع وعدم وضوح الرؤية وتم نقله إلى مركز سوروكا الطبي في بئر السبع حيث قام جراح بإزالة ورم في الدماغ أصابه، مما أنقذ حياته.
محاولة إسرائيل تجنيد السنوار بعد عقدين من السجن
قالت بيتي لاهات، رئيسة مخابرات مصلحة السجون في ذلك الوقت، في فيلم وثائقي تلفزيوني إنها حاولت استخدام هذا الحدث لتجنيده كعميل وقالت: "قلت له إن دولة إسرائيل أنقذت حياتك" مضيفة "اعتقدت أن بإمكاني تحويله إلى واحد منا، لكنه لم يكن مهتماً، وظل يتحدث عن اليوم الذي سيتم فيه إطلاق سراحه وحين قلت له إنك لن تخرج أبداً، قال: إن هناك موعداً: الله أعلم به".
وجاء الموعد في 18 أكتوبر 2011، عندما قامت إسرائيل بتبادل أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل جلعاد شاليط الجندي الإسرائيلي الذي احتجزته حماس طيلة أربع سنوات، وكان السنوار من بين المفرج عنهم، ولأنه قتل رفاقه الفلسطينيين وليس الإسرائيليين، ولم يعد شاباً، لم يعترض المسؤولون الإسرائيليون.
موعد الطوفان
انضم السنوار مرة أخرى إلى حماس وتولى مكانا رفيعاً فيها، وبحلول عام 2017 انتُخب قائداً للحركة في كل قطاع غزة، ليحل محل إسماعيل هنية، الذي غادر إلى قطر.
وقال أكرم عطا الله، وهو كاتب عمود مقيم في غزة بصحيفة الأيام بالضفة الغربية، عبر الهاتف مع بلومبيرغ: “لقد ضلل حماس والسنوار إسرائيل وجعلاها تعتقد أن الحرب ليست خيارا بالنسبة لحماس” مضيفا "لقد كانت حملة تضليل متطورة خدعت إسرائيل وجعلتها تعتقد أنها تسعى إلى السلام وإيجاد فرص العمل والحياة الاقتصادية لسكان غزة”.