يصف زملاء عمر ياغي فوزه بأنه إنجاز عربي استثنائي ورسالة تؤكد أن العلم يمكن أن يشق طريقه من البيئات البسيطة ليصنع أثراً عالمياً.
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، الأربعاء، في استوكهولم، فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025، وهم العالم العربي الأميركي عمر مؤنس ياغي من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والياباني سوسومو كيتاغاوا من جامعة كيوتو، والأسترالي ريتشارد روبسون من جامعة ملبورن، تقديرًا لتطويرهم الهياكل المعدنية العضوية التي شكّلت نقلة نوعية في علم المواد والكيمياء البيئية.
وقالت الأكاديمية في بيانها إن الباحثين الثلاثة "نجحوا في إنشاء هياكل جزيئية ذات مساحات داخلية ضخمة، يمكن للغازات والمواد الكيميائية أن تتدفق عبرها بسهولة، ما يجعلها قادرة على التقاط ثاني أكسيد الكربون، وتخزين الغازات السامة، وتحفيز التفاعلات الكيميائية، بل واستخلاص المياه من هواء الصحراء".
فخر عربي عالمي
في الأردن، هنأ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني البروفيسور عمر ياغي على إنجازه، قائلاً: "نفخر ونعتز بالعالم الأردني البروفيسور عمر ياغي، ونبارك له وللأردن فوزه بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025.. هذا الإنجاز فخر جديد يضاف إلى سجل الأردنيين المشرف، ويثبت أن الأردني قادر على إحداث الفارق أينما تواجد".
ويُعد ياغي، المولود في عمّان عام 1965 لعائلة فلسطينية لاجئة من يافا، ثاني عربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء بعد المصري أحمد زويل. وقد نشأ في بيئة متواضعة، حيث عاش مع تسعة من إخوته في غرفة واحدة دون كهرباء أو مياه جارية، وكانت والدته أمّية، إلا أنّ هذه الظروف لم تثنه عن السعي نحو التفوق العلمي.
ويقول : "نشأت في منزل متواضع جدًا، كنا نحو عشرة أشخاص نتشارك غرفة صغيرة مع ماشية نربيها.. لم يكن المنزل مزودًا بالكهرباء أو المياه الجارية.. إنها رحلة مذهلة، والعلم هو أعظم قوة تُمكّن الإنسان وتخدم مبدأ تكافؤ الفرص".
من عمّان إلى مختبرات بيركلي
هاجر ياغي إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشرة، رغم أنه لم يكن يتقن الإنجليزية آنذاك. وحصل على الدكتوراه في الكيمياء من جامعة إلينوي عام 1990، ليبدأ مسيرة بحثية جعلته من أبرز رواد الكيمياء الشبكية (Reticular Chemistry)، وهو مجال جديد يتيح تصميم مواد بلورية ذات مسامية نانوية يمكن التحكم بها بدقة.
ومن أبرز إنجازاته تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs) والهياكل العضوية التساهمية (COFs)، التي تمتاز بمساحات سطحية ضخمة تصل إلى 7000 متر مربع للغرام الواحد. وقد مكّن هذا الاكتشاف من جمع مياه الشرب من الهواء الجاف في الصحارى باستخدام أجهزة تعمل بالطاقة الشمسية فقط.
وقال ياغي متحدثًا عن تلك التجربة في مختبره ببيركلي: "عندما رأيت قطرات الماء تتكوّن داخل صندوق مغلق باستخدام بلورات MOF، كانت واحدة من أروع لحظات حياتي.. شعرت أنني خلقت ماءً حيث لا ماء".
ولا تقتصر أبحاث ياغي لا على المياه، بل تمتد إلى تنقية الهواء، واحتجاز الكربون، وتخزين الهيدروجين، مما يجعلها ركيزة لتقنيات الطاقة النظيفة ومواجهة التغير المناخي. وقد تخطت الاستشهادات بأبحاثه 250 ألف مرة، وهو رقم نادر في الأوساط الأكاديمية.
وأضاف في حواره مع مؤسسة نوبل: "بدأت مسيرتي في جامعة أريزونا وكان حلمي أن أنشر مقالا واحدًا يُقتبس مئة مرة. اليوم، أبحاثنا تجاوزت ربع مليون اقتباس. الأذكياء والموهوبون موجودون في كل مكان، وعلينا فقط تحرير إمكاناتهم".
تكريمات عالمية وانتقادات سياسية
يصف زملاء عمر ياغي فوزه بأنه إنجاز عربي استثنائي ورسالة تؤكد أن العلم يمكن أن يشق طريقه من البيئات البسيطة ليصنع أثراً عالمياً.
وحصل ياغي على جوائز مرموقة عدة، أبرزها جائزة كافلي للكيمياء عام 2018، وجائزة نوابغ العرب في دبي عام 2024. كما منحه الملك عبد الله الثاني وسام التميز من الدرجة الأولى عام 2017. لكن مسيرته لم تخلُ من الجدل، ففي عام 2018، انتقدته الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل لقبوله جائزة من مؤسسة وولف الإسرائيلية.