تدفع السلطات السعودية تعويضات شهرية لأبناء خاشقجي الأربعة، تقدر بعشرة آلاف دولار لكل منهم، إلى جانب توفير مسكن لهم، وفقًا لـ"واشنطن بوست".
لا تزال قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي تلاحق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته المرتقبة إلى البيت الأبيض، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب غدًا، لبحث ملفات إقليمية ساخنة، يأتي في مقدمتها صفقة شراء طائرات إف-35 وربما مسألة التطبيع مع إسرائيل.
غير أن شبح خاشقجي، الذي قُتل داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر 2018، والذي اتُهم بن سلمان بالوقوف وراء ما حصل له، على الرغم من نفيّ الأمير المتكرر لذلك، ما زال يخيم على المشهد، ويذكّر بتحوّل كبير في الطريقة التي يقدّم بها بن سلمان نفسه، من أمير دولة يحاول زعماء الدول تجنبه كما حصل في قمة مجموعة الـ 20 في أوساكا اليابانية عام 2019، إلى رجل يدخل البيت الأبيض من بابه الواسع، ويصبح تكريم شخصه، تكريمًا لكل السعودية، كما يحب ترامب أن يصف.
واشنطن تغيّر موقفها
غير أن المشهد لم يكن دومًا كهذا، فبعد الحادثة التي أثارت استياء دوليًا كبيرًا، قال جو بايدن - الذي كان مرشحًا رئاسيًا آنذاك - إن على الولايات المتحدة أن تجعل من السعودية "دولة منبوذة"، إلا أن واشنطن تجاوزت ذلك، مدفوعة بمغريات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا.
وكان ترامب، خلال ولايته الأولى، قد تفاخر بأنه حمى ولي العهد، وقال بحسب كتاب للصحفي الأمريكي بوب وودوارد: "أنقذت مؤخرته"، مشيرًا إلى أنه تمكن من جعل الكونغرس يتركه وشأنه، وأوقف محاولاتهم للضغط عليه.
وأضاف الرئيس لودوود أنه لا يعتقد أن بن سلمان أمر بقتل خاشقجي، الصحفي الناقد للنظام السعودي والذي كان يعمل في صحيفة "واشنطن بوست"، رغم أن الاستخبارات الأمريكية وغيرها من أجهزة الاستخبارات الأجنبية خلصت إلى أنه هو من أصدر الأمر بالهجوم.
وكان الزعيم الجمهوري، بعد مقتل خاشقجي، قد تجاوز الكونغرس لبيع أسلحة للسعودية والإمارات العربية المتحدة بقيمة تقارب 8 مليارات دولار.
كما استخدم حق النقض ضد ثلاث قرارات كانت ستعترض عملية البيع، بالإضافة إلى قرار لوقف دعم الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عاد الدفء القائم على المصالح المتبادلة بين الدولتين: تعهدات استثمارية سعودية بقيمة 600 مليار دولار، وإشادة مبالغ فيها، ومصلحة مشتركة في إبرام اتفاق دفاعي.
ذاكرة السياسيين ضعيفة؟
يختلف المحللون في تقييم الزيارة، بين من يعتبرها تناسيًا لقضية خاشقجي، وبين من يرى أن للسياسة حساباتها. فدوغلاس إيه. سليمان، رئيس معهد دول الخليج العربية في واشنطن، يرى أن الصحفي لم يُنسَ، لكنه يتساءل: "هل ينبغي أن تُبنى العلاقة بين دولتين مهمتين على حادث واحد فقط؟ أم يجب أخذ المصلحة العليا للولايات المتحدة أو السعودية في الحسبان للمضي قدمًا؟"
بن سلمان يسعى لإعادة تقديم نفسه
ويرى محللون أن ولي العهد يستشعر في هذه الزيارة فرصة استثنائية لإعادة تعريف صورته أمام العالم كوسيط سلام، من خلال سعيه لتحسين العلاقات مع إيران، وإحلال هدنة في غزة، وإعادة دمج سوريا في الإطار العربي.
وتُمثل هذه الصورة الدولية تتويجًا لمساعيه، بوصفه الحاكم الفعلي للمملكة، لترويج السعودية كعاصمة للثقافة والحضارة في العالم العربي، مع تخفيف القيود الاجتماعية التي طالما صورت البلاد كدولة متشددة.
وفي هذا الإطار، كان بن سلمان قد عطّل عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي شكّلت لسنوات مصدر رهبة، وقلّص نفوذ رجال الدين، واقتلع جذور عقود من الممنوعات الاجتماعية، ليصبح بإمكان المرأة القيادة والعمل والاختلاط بحرية في الفضاء العام.
كما ألغى إلزامية ارتداء العباءة السوداء والحجاب، وتحولت حفلات البوب وعروض الأزياء إلى مشاهد مألوفة في ليالي الرياض، وهو أمر كان مستهجنًا على الصعيد العربي نظرًا للمكانة الدينية للسعودية، التي تحتضن مكة، القبلة الأولى للمسلمين حول العالم.
إلى جانب ذلك، كشفت تقارير صحفية أن بن سلمان سعى، بعد حادثة مقتل خاشقجي، إلى تحسين صورته الدولية، فعهد إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بمهام استشارية، مستفيدًا من "معهد بلير" الذي يشارك، وفق مصادر، في برنامج "رؤية المملكة 2030".
غير أن هذه الصورة تبقى ناقصة في نظر العديد من المراقبين، فالتقارير الدولية تشير إلى أن اليد ذاتها التي حررت المجتمع قد أطبقت بقبضة حديدية على السلطة، فقُمعت المعارضة وكُتمت الأصوات الناقدة، وفتّتت مراكز القوى المنافسة مع احتجاز أبرز رموزها.
هل ينضم إلى اتفاقيات التطبيع؟
بالنسبة للتطبيع، يُعتقد أنه رغم استبعاد الرياض توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل حاليًا، فإن ترامب يعوّل على إقناعها بذلك بعد نجاحه في وقف إطلاق النار بغزة.
ففي وقت سابق، أكد سيد البيت الأبيض أن الرياض لم تكن لتبادر إلى التطبيع خلال الحرب الإسرائيلية على غزة بسبب شعورها بالإحراج، لكن مع وقف إطلاق النار، بات بإمكانها ذلك.
ومع ذلك، قال علي شهابي، المحلل السعودي المقرب من البلاط الملكي، إن إقامة علاقات رسمية بين البلدين تبدو "مستحيلة عمليًا" بحلول نهاية العام "ما لم تحدث معجزة في إسرائيل".
تحد إعلامي؟
من المؤكد أن ترامب سيحتفي بضيفيه أيما احتفاء، لكن يتوقع أن يواجه بن سلمان تحديًا إعلاميًا، إذ أفادت تقارير بأن حنان العطر، زوجة خاشقجي، تستعد لمواجهته في واشنطن، حيث تنوي المطالبة باعتذار رسمي منه، واستعادة رفات زوجها، والحصول على تعويض مالي عن جريمة القتل.
وقالت العطر: "أنا على يقين من أن بن سلمان سيستجيب لمطالبي إذا تولى السياسيون الأمريكيون المبادرة وتحدثوا معه بصراحة".
وأضافت: "لقد تحمّل المسؤولية عن مقتل جمال خلال مقابلة له مع برنامج '60 دقيقة' عام 2019"، مشيرة إلى أنه رغم نفيه إصدار أمر بالقتل، إلا أنه أكد تحمله "المسؤولية الكاملة" كقائد للبلاد.
يُذكر أن النيابة العامة السعودية أسندت الواقعة إلى مجموعة من العملاء السعوديين الخارجين عن القانون، وتمت محاكمتهم وإدانتهم لاحقًا بقتل خاشقجي.
وتدفع السلطات السعودية تعويضات شهرية لأبناء خاشقجي الأربعة، تقدر بعشرة آلاف دولار لكل منهم، إلى جانب توفير مسكن لهم، وفقًا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست".
بالمقابل، تؤكد العطر - التي لم تتلقَ أي تعويضات - أنها احتُجزت في دبي بعد مقتله، حيث كانت تعمل في إحدى شركات الطيران، قبل أن تهرب إلى الولايات المتحدة وتحصل على حق اللجوء السياسي. لكنها فوجئت بمنعها من دخول الشقة التي كانت تشاركها مع خاشقجي في الإسكندرية.
كما كشفت تقارير عن وجود برامج تجسس على هاتفها، وفقًا لتحليل جنائي أجرته شركة "Citizen Lab" الكندية للأبحاث، وهي تفاصيل قد تضع ولي العهد في موقف محرج إذا ما جرت مواجهة علنية مع العطر.