تبدو المملكة مستعدة لتخفيف القيود على الكحول عمومًا، ففي العام الماضي، أعلنت عن نيتها السماح ببيع الكحول للدبلوماسيين الأجانب فقط، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 73 عامًا.
سواءً كانت التقارير التي تتحدث عن نية السعودية رفع الحظر عن الكحول للمسلمين صحيحة أم لا، فإن خطوة مثل هذه – حتى لو ثبت عدم دقتها – لن تكون سوى قرار مؤجّل من الرياض، بحكم التحول الجذري الذي تشهده المملكة، وسعيها لتحقيق مركزية عالمية تتجاوز الطابع الإسلامي الذي اتسمت به على مدى عقود، وفقًا لرؤية 2030 التي يقدمها الأمير محمد بن سلمان.
ومع أن الحاكم الشاب دفع خلال السنين الماضية نحو تخفيف بعض القيود الاجتماعية، كرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وتخفيف القيود حول اختلاط الجنسين، والإذن بإقامة الحفلات الغنائية والملاهي الليلية، أملًا في جذب زوار أجانب وتنوّع مدخلات الاقتصاد النفطي، فإن من الطبيعي أن تبرم السعودية سياسة الغموض تجاه الخمور خصوصًا، نظرًا للقيمة الرمزية التاريخية والثقافية التي تتمتع بها البلاد عند جميع المسلمين، باعتبارها موطن نبوة محمد وأراضي الحرمين.
وعلى عكس ما قد يتوقعه البعض، فإن زخم التقارير الإعلامية قد يكون عونًا للرياض في تجاوز الحرج الاجتماعي، لا سيما وأنه يُساهم في تهيئة المجتمع السعودي أولًا، والشعوب الإسلامية ثانيًا، لقبول الفكرة – التي لن تكون مستغرَبة – سواء أأُعلن عنها اليوم أم بعد عام.
نظرية ا الإعلامي
وفقًا لنظرية "التخدير الإعلامي" (Desensitization Theory)، عندما يُعرض على الجمهور موضوع ما بشكل متكرر عبر وسائل الإعلام – حتى لو كان حساسًا – فإن الجمهور يبدأ تدريجيًا في التعامل معه باعتباره أمرًا عاديًا، ويخف شعوره بالصدمة أو الاستنكار تجاهه.
كانت تقارير كلّ من "رويترز" و"بلومبيرغ" قد أشارت إلى أن السعودية تعد لافتتاح متاجر جديدة لبيع الكحول في جدة والظهران والدمام. وذكرت رويترز أن أحد هذه المتاجر سيقع داخل مجمع شركة النفط "أرامكو" في الظهران، وسيُتاح البيع فيه لغير المسلمين.
ولم ترد شركة أرامكو على طلب التعليق من "يورونيوز".
وتبدو المملكة مستعدة لتخفيف القيود على الكحول عمومًا، ففي العام الماضي، أعلنت عن نيتها السماح ببيع الكحول للدبلوماسيين الأجانب فقط، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 73 عامًا. لكن وسائل إعلام مثل "سيمافور" أشارت إلى أن هذه التخفيفات قد تضمنت أيضًا غير المسلمين الحاصلين على نوع خاص من تصاريح الإقامة، وفقًا لبرنامج الإقامة المميزة.
وفي شهر مايو الماضي، نقلت بعض الوسائل الإعلامية تقارير عن عزم السلطات السعودية السماح ببيع الكحول في المناطق السياحية استعدادًا لاستضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم عام 2034م، غير أن تلك الأنباء قد تم نفيها.
كيف تفاعل الناس؟
في الفضاء الرقمي، اختلفت ردود الفعل بشكل واضح، فقد استهجن البعض خبر رفع الحظر عن الخمر، معتبرينه مخالفة للقيم الدينية والثقافية للمملكة، في حين تناقله آخرون بأريحية، وكأنهم يرحبون بالانفتاح المحتمل.
وهناك من هاجم خطوة السلطات، متهمًا السعوديين بمحاولة التشبه بالثقافة الغربية، ورأى أن ذلك يتناقض مع الهوية الوطنية والدينية. أما الأصوات الأكثر حدة، فقد وصفت هذه الخطوة بأنها تدشين سياسة "الدنس"، معتبرين أن السماح بالكحول يمثل تحولا جذريًا يمس القيم الأخلاقية والاجتماعية للمملكة.
ماذا يقول القانون السعودي؟
تُعتبر عقوبة حيازة الخمور في السعودية واحدة من التشريعات التي يُعمل بها بحزم، وتستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية. ففي حال القبض على شخص بحوزته خمر للاستعمال الشخصي، يُفرض القانون عليه عقوبات متعددة، تشمل الجلد 80 جلدة، والسجن من ستة أشهر إلى سنة، وقد تصل إلى الترحيل.
رغم ذلك، تُظهر دراسة أجريت بعنوان "الحالات المبلغ عنها لاستهلاك الكحول والتسمم به بين عامَي 2015 و2022 في منطقة حائل، بالمملكة العربية السعودية" أن بعض السعوديين قد لا يلتزمون تمامًا بقوانين بلادهم.
واعتمدت الدراسة على سجلات في مستشفيَي الملك خالد (KKH) ومستشفى حائل العام (HGH)، وشملت 550 مشاركًا خلال الفترة من 2015 إلى 2022.
وأظهرت النتائج أن 30% من أصل 400 مشارك قدِموا إلى المستشفيات بسبب حالات وعي متغيرة. وكشف 28.8% منهم عن نتائج غير طبيعية في فحوصات الكبد، و27% عن نتائج غير طبيعية في وظائف الكلى، مع انخفاض معدل الترشيح الكلوي (GFR) وارتفاع مستويات البوليا والكرياتينين، أو انخفاض مستويات الكالسيوم والشوارد. وأظهر 35.6% مستويات مرتفعة من إنزيمات البنكرياس. وقد تم الإبلاغ عن وفاة واحدة بسبب استهلاك كميات كبيرة من الكحول.
وخلال مقابلات الفريق الباحث مع مجموعة من المشاركين، أوضح بعضهم أن دوافع الشرب تتراوح بين تأثير الأصدقاء (29%)، والتوتر النفسي (11%)، والاكتئاب (10.8%)، والفضول (4.4%)، والملل (4%). كما أفاد 77% من المشاركين بأنهم يشربون الكحول بصورة متكررة، بينما يستهلك 20% منهم الكحول يوميًا.
علاوةً على ذلك، أشار 68.7% من المشاركين إلى أنهم يشربون كميات تزيد على مقدار جرعة واحدة في المرة الواحدة. وقد عانى 83.3% منهم من فقدان الوعي (blackouts)، في حين عانى 70% منهم من مشاكل صحية مرتبطة بالكبد.