تستعرض عقباني تجارب نساء من العراق، ليبيا، الأراضي الفلسطينية، السودان، سوريا، واليمن، وتؤكد أن الضرر الرقمي ليس نتيجة جانبية للحياة الإلكترونية، بل امتداد مباشر للعنف البنيوي والواقعي.
قد يبدو الحديث عن العنف ضد النساء مسألةً هامشية بل نوعا من الترف في منطقةٍ أضحى فيها السؤال عن كيفية البقاء على قيد الحياة هو الأهم إذ أنه جزء من الروتين اليومي، مثل النوم، والطهي، وابتلاع المسكّنات. فالعالم العربي، خلال العامين الماضيين على الأقل، لم يشهد يومًا، وربّما دقيقة، لم يكن فيها العنف سيّدَ المشهد.
ومع ذلك، فإن تجاهل واقع النساء، وهن أكثر من يتحمل يوميًا جميع صنوف المعاناة، أكانت معنوية أم مادية، قد يضيف صفحة جديدة في سجلّ العنف بحقهن.
في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام، تُحيي الأمم المتحدة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة. وقد اختارت المنظمة هذا العام أن تركّز على العنف الإلكتروني، في وقت أصبحت فيه الرقمنة السمةَ الأبرز التي تحكم علاقاتنا الشخصية والعملية، حيث تكون النساء أكثر عرضة للأذى.
ورغم أن التقارير تذكّر بأن واحدة من كل ثلاث نساء تعرّضت، مرة واحدة على الأقل في حياتها، للعنف الجسدي أو الجنسي، إلا أنها تؤكد أن هذا “الوباء” يتكيّف مع البيئات المختلفة ويتكاثر حيثما يستطيع.
العنف في العالم العربي
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشير تقارير البنك الدولي إلى أن نسب العنف القائم على النوع الاجتماعي أعلى من المعدل العالمي، إذ تعرّضت 40% من النساء للعنف من قبل شريكهن مرة واحدة على الأقل خلال حياتهن.
وتكشف إحصاءات "الباروميتر العربي" أن جائحة كورونا أسهمت في زيادة العنف، لكن التطورات السياسية والعسكرية العنيفة خلال العامين الماضيين أدت إلى طفرة أكبر في هذه الحالات.
وبحسب الاستطلاع نفسه، يرى غالبية المواطنين في تونس (54%) ولبنان (42%) والعراق (40%) والأردن (39%) وفلسطين (38%) أن العنف ضد النساء قد ازداد خلال العام الماضي. وعلى العكس، يعتقد كثيرون في المغرب (40%) وموريتانيا (31%) أن هذه النسبة قد انخفضت.
العنف الرقمي: امتداد للعنف على الأرض
وبينما لا تربط بعض التقارير بين العنف الذي تتعرضه له النساء، سواء في أرض الواقع أو عبر الفضاء الرقمي، وبين الظروف السياسية، تُقدّم الباحثة والصحفية السورية رنا عقباني مقاربة مختلفة.
ففي ورقتها "العنف الرقمي ضد النساء (DVAW)"، والتي تعتمد على 15 دراسة سابقة، تُظهر كيف يتضخّم العنف الرقمي في السياقات المضطربة، وكيف يُستخدم الفضاء الافتراضي كوسيلة لإسكات النساء والتشهير بهن وتعريضهن للخطر.
تستعرض عقباني تجارب نساء من العراق، ليبيا، الأراضي الفلسطينية، السودان، سوريا، واليمن، وتؤكد أن الضرر الرقمي ليس أثرا جانبيا للواقع الافتراضي، بل هو امتداد مباشر للعنف الموجود في بنية وواقع المجتمع العربي.
ففي ليبيا، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة موازية خلال حرب طرابلس عام 2019، حيث استخدم الطرفان روايات عنف جنسي لإذلال الخصوم.
وفي فلسطين، تواجه النساء مزيجًا معقدًا من الأعراف الاجتماعية والواقع الأمني، إذ يتحول الفضاء الإلكتروني خلال الأزمات إلى مجال للرقابة والإسكات، بحسب شهادات نساء في الضفة الغربية المحتلة وغزة.
الحلول الممكنة ومعضلة التنفيذ
تعزو الأمم المتحدة أسباب تفاقم العنف الرقمي ضد النساء إلى ضعف القواعد التي تنظم عالم التكنولوجيا، وغياب الاعتراف القانوني بالعنف عبر الإنترنت، والإفلات من العقاب على المنصات الرقمية، إضافة إلى بروز أشكال جديدة للإساءة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وصعود الحركات المناهضة للمساواة بين الجنسين، واستفادة الجناة من إخفاء هوياتهم، وقلة الدعم المقدم للضحايا.
ورغم الخطابات الحكومية التي "تضع المرأة في سلّم الأولويات"، تُظهر البيانات أن النساء غالبًا ما يفتقدن للدعم المؤسساتي، ويلجأن بدلًا من ذلك إلى أفراد الأسرة أو إلى جمعيات غير حكومية للتعامل مع العنف.
وتوصي ورقة عقباني بضرورة تعزيز القوانين التي تجرّم العنف الافتراضي، وتوسيع برامج التعليم الرقمي للنساء، وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، ومساءلة شركات التكنولوجيا عن إساءة استخدام منصاتها.
إلا أن تنفيذ هذه التوصيات يبقى موضع تساؤل، خصوصًا في ظل حالة الاضطراب العميق التي تعيشها المنطقة العربية، والتي تجعل من حماية النساء أولوية مؤجّلة في نظر كثير من الحكومات.