يمكن القول إن ميلوني لا تزال "ملكة" هذه اللحظات، سواء بفعل شخصيتها أو لكونها امرأة في موقع قيادة، إذ تشير الأبحاث إلى أن الجمهور يقيّم السياسيات بتحيّز جندري، حيث لا يُنظر إليهن فقط من زاوية أدائهن السياسي، بل أيضًا من خلال المظهر والملابس وتعابير الوجه وطريقة الكلام.
ليست المرة الأولى التي تهيمن فيها تعابير وجه رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، على الحدث البروتوكولي نفسه لتتحول إلى مادة للنقاش. فهذه المرة أيضًا تحولت مصافحتها للرئيس الموزمبيقي، دانيال شابو، في روما إلى حديث الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أفزع السياسيّة اليمنية، على ما يبدو، فارق الطول بينهما. ولم تستطع السيطرة على نظرتها وضحكتها، ما فتح بابًا واسعًا للتأويل والتعليقات.
وقد أظهرت بيانات "غوغل تريندس" ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات البحث خلال الساعات الماضية حول طول كل من الزعيمَين، بالتوازي مع الدعابات أو "الميمز" التي انتشرت في الفضاء الرقمي، حتى بدا وكأن هذه اللحظة العابرة اختزلت اللقاء الدبلوماسي بأكمله وحجبت أي أبعاد سياسية أو دبلوماسية جادة كان من الممكن أن يحملها.
لغة الجسد في عالم السياسة
تشبّه الأبحاث الاتصال غير اللفظي في السياسة بـ"المادة المظلمة" في الكون، على اعتبار أنه موجود في كل حدث رسمي ويؤثر على كيفية تفاعل المواطنين معه، مع فارق أن هذا النوع من التواصل كان يخضع في الماضي للتحرير والتنقيح قبل بث اللقاءات في وسائل الإعلام التقليدية.
أما مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي ورفع سقوف الحرية الصحفية، فبات من الصعب السيطرة على ما يظهر للجمهور، واكتسبت الصورة أو اللحظات العفوية "الخام" أهمية تضاهي الخطاب السياسي المكتوب أو المنطوق، على اعتبار أنها تنقل الرسائل السياسية وتؤثر في الجمهور دون حاجة إلى كلمات.
والأمثلة في هذا السياق لا تُحصى، مثل المناظرات بين الرئيس دونالد ترامب وسلفه جو بايدن، أو لقاءاته مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أو حتى علاقة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بزوجته، بما في ذلك حادثة الطائرة الشهيرة.
لكن يمكن القول إن ميلوني لا تزال "ملكة" هذه اللحظات، سواء بفعل شخصيتها أو لكونها امرأة في موقع قيادة، إذ تشير الأبحاث إلى أن الجمهور يقيّم السياسيات بتحيّز جندري، حيث لا يُنظر إليهن فقط من زاوية أدائهن السياسي، بل أيضًا من خلال المظهر والملابس وتعابير الوجه وطريقة الكلام.
فميلوني كانت دائمًا تلفت الانتباه بلغة جسدها. فقبل أكثر من عام، أثناء استضافة إيطاليا لقمة مجموعة السبع، لاحظ كثيرون ما وُصف بنظرة "غريبة" ألقتها على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء تحيتها الباردة له على هامش المؤتمر.
كما أثار رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل عندما ركع أمامها أكثر من مرة، في مشاهد التقطت خلال قمة المجتمع السياسي الأوروبي في تيرانا وفي مناسبات أخرى.
وقد تباينت تفسيرات المستخدمين لهذه الحركة بين من وصفها بـ"الرومانسية"، وبين من رأى فيها مجرد تعبير بروتوكولي ربما يعكس فارق الطول بينهما أو يمثل تحية رسمية غير معتادة.
ومع أن البروتوكول يفرض الجدية على السياسيين، إلا أن سرعة الكاميرات في التقاط اللحظات تفوق قدر النخب على السيطرة على تعابيرهم. ويمكن القول إن عالم السياسة والإعلام اليوم يتجه نحو مزيج من الأداء البصري المباشر والتواصل الرقمي الفوري، مع تقليص الصرامة البروتوكولية وزيادة التركيز على الانطباع الشخصي للسياسيين أمام الجمهور.