شاهد: بفعل الزمن والإهمال..تراث اليهود في العراق مهدّد بالاندثار

معبد ساسون اليهودي المتهدم في مدينة الموصل شمال العراق- شباط  2022
معبد ساسون اليهودي المتهدم في مدينة الموصل شمال العراق- شباط 2022 Copyright ZAID AL-OBEIDI
Copyright ZAID AL-OBEIDI
بقلم:  يورونيوز مع أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
نسخ/لصق رابط فيديو المقال أدناهCopy to clipboardCopied

في العراق الذي أنهكته الصراعات لعقود، انحسر عدد أفراد الديانة اليهودية الذين كانوا يشكلون واحدة من أكبر الأقليات في الشرق الأوسط، تاركا وراءه تراثا قيّما في مهب الإهمال.

اعلان

لم يتبق من كنيس "مئير طويق" لليهود المنسي في وسط بغداد، إلا عبارات مخطوطة باللغة العبرية على مدخله وجدرانه وبعض المخطوطات والكتب الدينية، التي تذكّر بحقبةٍ كان فيها اليهود من أبرز الأقليات في العراق.

وفي العراق الذي أنهكته الصراعات لعقود، انحسر عدد أفراد الديانة اليهودية الذين كانوا يشكلون واحدة من أكبر الأقليات في الشرق الأوسط، تاركاً وراءه تراثاً قيّماً في مهب الإهمال.

ويراقب آخر من بقي من اليهود، ولا يتعدّى عددهم عدد اصابع اليد الواحدة، بحسرة اختفاء تراثهم تدريجياً، عاجزين عن إنقاذه، في بلد تنتشر فيه فصائل مسلحة ذات نفوذ واسع وشهد هجمات متكررة لجهاديين دفعت بأقليات أخرى أيضاً للهجرة من البلاد.

ورغم بعض مشاريع الترميم، لا تكفي الجهود المحدودة لمنظمات دولية لإنقاذ هذا التراث القيّم.

في معبد "مئير طويق" الذي شيد عام 1942، توقف الزمن. تساقطت أجزاء من واجهات الجدران الزرقاء في قاعته الرئيسية. المقاعد الخشبية مغطاة بقماش أبيض لحمايتها من حرارة الشمس والغبار.

في أعلى الواجهة الرئيسية للقاعة، لوح خشبي للوصايا العشر يعلوها اسم الله. ومن حولها، ألواح رخامية نقشت عليها شمعدانات بسبعة فروع ومزامير بالعبرية، تتوسطها خزانة فخمة تحتوي مخطوطات توراتية قديمة من جلد الغزال.

SABAH ARAR
-2022 الجزء الخارجي من كنيس مئير طويق في العاصمة العراقية بغدادSABAH ARAR

وروى أحد أفراد الطائفة من داخل المعبد لفرانس برس قائلا: "كنا نقيم هنا صلاتنا ونحتفل بأعيادنا ونحضر دروساً دينية وقراءات باللغة العبرية أيام العطلة المدرسية الصيفية".

وأضاف القول رافضاً كشف اسمه: "تراثنا اليوم بحالة يرثى لها، حتى الدولة لا تعترف بنا". وتحدّث عن استيلاء أحدهم على معبد في جنوب العراق، وتحويله إلى مخزن للبضائع، وتابع حديثة قائلا: "تراث اليهود في العراق مهدّد بالاندثار والسرقة والضياع، أين الأمم المتحدة لتساعدنا لإنقاذه؟".

مواقع اندثرت

وتعود جذور وجود اليهود إلى ما قبل 2600 عام في العراق الذي ولد فيه النبي ابراهيم، وحيث كتب اليهود التلمود البابلي.

خلال الحكم العثماني، كان اليهود يشكلون 40% من سكان بغداد. وكان عدد اليهود 150 ألف نسمة في العام 1948 عند قيام إسرائيل. وخلال السنوات الثلاث التالية، غادر 96% منهم العراق.

ونتيجة لهجرة طوعية أحياناً أو ناجمة عن ضغوط وتقلبات سياسية أحياناً أخرى، توجه أغلب اليهود إلى الدولة العبرية، التي يقطنها حالياً 219 ألف يهودي من أصل عراقي.

وكان يوجد في العراق في وقت من الأوقات 118 معبداً يهودياً و48 مدرسة تلمودية، وتسعة ضرائح لأنبياء ورجل دين وثلاثة مقابر يهودية، وفق تقرير لمنظمتين صدر عام 2020.

ISMAEL ADNAN
يشير جوزيف إلياس يلدا، مدير متحف تراث القوش، إلى صور قديمة تظهر كنيس النبي ناحوم، في المتحف على بعد 50 كيلومتراً شمال مدينة الموصل شمال العراق - شباط 2022ISMAEL ADNAN

ويوثّق التقرير التراث اليهودي في العراق وسوريا الذي يشمل مواقع قديمة اندثرت وتعود للألفية الأولى قبل الميلاد.

وبحسب تقرير لمؤسسة التراث اليهودي ومقرها لندن والجمعية الأميركية لأبحاث ما وراء البحار "أزور" (ASOR)، "لم يبق سوى 30 موقعاً من أصل 297 تمّ توثيقها في العراق". ويضيف التقرير أن "من بين المواقع الثلاثين، 21 بحالة سيئة أو سيئة للغاية".

وذكر دارين آشبي، أحد معدّي هذا التقرير، بأن أفراد الطائفة القلائل "الذين بقوا (في العراق) عملوا بجد على حماية تراثهم والمحافظة عليه، لكن حجم المهمة أكبر من قدراتهم".

ويختصر الخبير المختص في المحافظة على التراث العراقي في جامعة بنسلفانيا الأميركية، ما حلّ بالتراث اليهودي بالقول: "بمرور الأيام، ضاع جزء كبير من هذا التراث جراء البيع والمصادرة والتدهور البطيء والانهيار".

ويتجلّى ذلك في مدينة الموصل في شمال العراق، التي استعادتها القوات العراقية في نهاية العام 2017 من قبضة الجهاديين.

اعلان

هناك، تجثم أنقاض معبد ساسون الذي بقيت منه قنطرة انهارت أقواسها، وأعمدة من حجر تغلغل العشب في تفسخاتها وتراكمت حولها القمامة والأنقاض. وبحسب مصعب محمد جاسم، أحد مسؤولي الآثار في محافظة نينوى، فإن الموقع يعود للقرن السابع عشر الميلادي.

ZAID AL-OBEIDI
خارج كنيس ساسون المتهدم في مدينة الموصل شمال العراق - شباط 2022ZAID AL-OBEIDI

ولفت المسؤول إلى أن مبنى "المعبد حالياً باسم عائلة موصلية، لديهم سند رسمي بأنه يعود لهم". و"كانوا يسكنونه منذ فترة طويلة". وأضاف قوله: إنهم "راجعوا السلطات ليطلبوا منها استملاك (المبنى) أو ترميمه".

وأبدى التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألِف) استعداده لدعم مشروع الترميم في الوقت المناسب.

"أطلال"

وترك اليهود بصمات مهمة في تاريخ العراق. وتولى بعض أبناء الطائفة مناصب مهمة بينها أول وزير مالية للبلاد ساسون حسقيل.

اعلان

ويروي المؤرخ أحمد عبد الصاحب من مدينة الحلة (وسط) لفرانس برس، أن "اليهود في ثلاثينات القرن الماضي كانوا يسكنون في أحياء الجباويين والتعيس (وسط الحلة)، وكان هناك معبدان ومدرسة وناد رياضي خاص" بهم. وأضاف "لم يعد هناك غير الأطلال". ورغم كل ذلك، هناك خطوات خجولة باتجاه حماية هذا التراث.

ففي كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت القنصلية الأميركية في أربيل عن تمويل بقيمة 500 ألف دولار، لترميم معبد "حزقيال" في ريف بلدة عقرة في شمال العراق.

في الشمال، تمّ ترميم ضريح النبي ناحوم بدعم مالي أميركي وأموال من حكومة إقليم كردستان وتبرعات خاصة. وعاد هذا الضريح كما لو كان جديداً، علماً أنه بني بالحجر التقليدي بشكله الحالي في القرن الثامن عشر، لكنه يعود إلى القرن العاشر.

ISMAEL ADNAN
الجزء الخارجي من كنيس النبي ناحوم (يعود بشكله الحالي إلى عام 1796)، في القوش شمال العراقISMAEL ADNAN

ويستذكر الشماس جوزيف إلياس يلدا قصصاً رواها شيوخ من القرية عن توافد حجاج يهود على مدى أسبوع، خلال شهر حزيران/يونيو لإحياء ذكرى النبي ناحوم.

ويقول يلدا (67 عاما): "كانوا يأتون من جميع المحافظات، وحتى من الدول المجاورة. بعد الاحتفال الديني، كان هناك حفل في البلدة القديمة، وكان الناس يشربون ويرقصون الدبكة".

اعلان
شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

شاهد: المدينة القديمة في الموصل تعود إلى الحياة بعدما دمرتها الحرب

مولدوفا تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

"الحقبة الجميلة".. أول متحف لملكة جمال فرنسا سيتم افتتاحه العام المقبل