يهود العراق.. بقي منهم أربعة في بلاد الرافدين بعد رحيل طبيب عظام شهير

صورة  لشاهدة  قبر في مقبرة الحبيبية اليهودية في العاصمة العراقية بغداد حيث دفن الطبيب ظافر إلياهو، 24 مارس 2021
صورة لشاهدة قبر في مقبرة الحبيبية اليهودية في العاصمة العراقية بغداد حيث دفن الطبيب ظافر إلياهو، 24 مارس 2021 Copyright AFP
Copyright AFP
بقلم:  يورونيوز مع أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

رحل ظافر فؤاد إلياهو أحد أشهر أطباء العظام في البلاد والذي عرف بمواقفه الإنسانية ولقب بطبيب الفقراء. لكن ليس هذا فقط ما أعطى هذه الوفاة طابعاً مختلفاً، بل كون الطبيب يهودياً، وأحد بضعة أشخاص ينتمون للطائفة التي سكنت العراق منذ قرون ولم يبق منها اليوم سوى أربعة أشخاص.

اعلان

في ظل كل ما مر ولا يزال يمر به العراق، أعادت وفاة طبيب عراقي تذكير العراقيين بما لا يُنسى، رأوا من جديد أزمة العنف الطائفي والمواطنة والهوية باختلاف مستوياتها ماثلة من جديد بشكل صارخ أمام أعينهم.

رحل ظافر فؤاد إلياهو أحد أشهر أطباء العظام في البلاد والذي عُرف بمواقفه الإنسانية ولقب بطبيب الفقراء. لكن ليس هذا فقط ما أعطى الوفاة طابعاً مختلفاً، بل كون الطبيب يهودياً، وعضوا في طائفة سكنت العراق منذ قرون ولم يبق منها اليوم سوى أربعة أشخاص.

دفن إلياهو في مقبرة خاصة باليهود في مدينة الصدر ذات الغالبية الشيعية شرق بغداد وعلى مقربة من نصب الشهيد الذي أقيم إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين. وتخلو المقبرة من الزوار، باستثناء رجل خمسيني يشرف عليها.

قالت شقيقة إلياهو لوكالة فرانس برس قبيل دفنه: "أنا صليت عليه عند دفنه"، وأضافت السيدة التي فضلت عدم الكشف عن اسمها: "أصدقاؤه شاركوا بمراسم الدفن وصلوا كل حسب دينه". وتعدّ هذه الصلاة التي أقيمت بوضح النهار، حدثاً نادراً في بغداد التي بقي فيها كنيس يهودي واحد صالح للاستخدام.

تاريخ اليهود في العراق

يهود العراق هم أقدم جالية يهودية في العالم، وصلوا إلى البلاد عام 586 قبل الميلاد، بعدما دمّر ملك بابل نبوخذ نصر معبد سليمان الأول في القدس، بحسب الرواية التوراتية.

وبعد حوالى 2500 عام، أصبح هؤلاء يشكلون 40 بالمئة من سكان بغداد وثاني أكبر مكوّن في مجتمع العاصمة العراقية.

وخلال العقود الأولى من القرن الماضي، شكّلت العائلات اليهودية عنصراً مهماً في النسيج الاجتماعي، فلا يزال العراقيون يتذكرون مثلاً ساسون حسقيل وزير مالية أول حكومة عراقية شكلت في عهد الانتداب البريطاني وأول من وضع أسس النظام المالي للعراق.

في مطلع أربعينات القرن الماضي، تعرض اليهود إلى عملية قتل ونهب للممتلكات قُتل فيها أكثر من مئة شخص، وعرفت باسم"الفرهود".

وفي 1948 سنة اندلاع حرب فلسطين بين الدول العربية ومن بينها العراق والمجموعات اليهودية المسلحة وقيام دولة إسرائيل، غادر غالبية اليهود البالغ عددهم آنذاك 150 ألفا هذا البلد، وليس بشكل طوعي عموما. فقد سحبت منهم وثائقهم الشخصية واستبدلت بأخرى خاصة باليهود فقط، جعلتهم عرضة للاستهداف عند إظهارها، ما دفع غالبيتهم للتوقيع على أوراق تثبت رغبة "طوعية" بالتخلي عن الجنسية والممتلكات والرحيل عن البلاد.

ويشير إدوين شكر، وهو يهودي ولد في العراق العام 1955 وغادره إلى بريطانيا في سن السادسة عشرة، إلى أن القانون العراقي حتى الآن، يحظر التراجع عن تخلي يهودي عراقي عن الجنسية.

وبحلول العام 1951، كان نحو 96% من يهود العراق قد خرجوا من البلاد، والتحق بهم كثر بعد ذلك مع تزايد معدلات الهجرة في أعقاب عمليات إعدام علنية شنقا لعدد من التجار معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لحساب إسرائيل في عام 1969، مع بدء تولي حزب البعث السلطة في البلاد إثر انقلاب.

وما زال القانون العراقي يتضمن عقوبة الإعدام على من يدان بـ"الترويج للصهيونية".

معاناة متعددة الأوجه

إذاً في العراق حيث تحولت الحساسيات الدينية والطائفية والمذهبية إلى روتين الحياة اليومية، يعاني اليهود على عدة مستويات، سواء ما يتعلق بممارسة شعائرهم أو بالتعامل معهم من قبل الدولة.

فيما يتعلق بممارسة شعائرهم، قال مصدر مقرب من الطائفة اليهودية لوكالة فرانس برس، فضل أيضاً عدم كشف هويته، بأنها "غالبا ما تقام داخل المنازل"، مضيفاً أن اليهود يعانون أيضا "لدى مراجعتهم دوائر حكومية ويتم التعامل معهم بشكل سيء حينما يُعرف أنهم يهود".

أما شكر فأكد أنه "لم يبقَ سوى أربعة يهود يحملون الجنسية العراقية ومن أبوين يهوديين" في العراق، باستثناء إقليم كردستان.

تناقص حتى التلاشي

تدريجياً وعلى مر العقود، تلاشى وجود هذه الطائفة الصغيرة، على خلفية الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ثمّ اجتياح الكويت وما أعقبه من حصار اقتصادي استمر حتى غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين العام 2003.

وبعد هذه المرحلة أيضاً، تواصل تناقص أعداد اليهود وسط حرب طائفية وسنوات من العنف الدامي.

بحلول العام 2009، لم يبق سوى ثمانية يهود عراقيين في بلدهم، بحسب برقية دبلوماسية أميركية.

اعلان

وتواصل العنف ضد أبناء هذه الطائفة، فقد هدّد مسلحون صائغ ذهب فضل مواصلة عمله والعيش في العراق على الهجرة بعيداً عن بلاده، ليرغم على الرحيل.

ودفعت الظروف ذاتها عامر موسى نسيم حفيد المؤلف والاقتصادي الشهير مير البصري (1911-2005) لمغادرة العراق العام 2011، وقال نسيم (38 عاما) حينها لوكالة فرانس برس إنه رحل بحثاً عن "حياة طبيعية"، والزواج، لأنه لم يبقَ في بغداد من طائفته غير سيدتين كبيرتين في السن. قبل ستة أشهر، توفيت إحداهما، الست مارسيل، التي عرفت بدفاعها المتواصل عن طائفتها، ثمّ توفي الطبيب إلياهو في 15 آذار/مارس.

في المقابل، تشير إحصاءات رسمية إلى وجود 219 ألف يهودي من أصل عراقي في إسرائيل يشكلون أكبر مجموعة من اليهود المتحدرين من آسيا. وترك هؤلاء خلفهم منازل ومعابد كانت حتى العام 2003 "بحالة ممتازة لدى مالكين معروفين"، حسبما ذكر شكر، وأشار إلى أن استرجاعها "لا يحتاج غير تصويت واحد في البرلمان" ليعاد إلى العائلات اليهودية العراقية كل ما فقدته.

لكن، اليوم، في بلد يسود فيه الفساد وسوء الإدارة، أصبحت هذه الممتلكات طي النسيان فيما تبقى أبوابها موصدة. غير أن منتفعي الحرب الذين وضعوا اليد على بيوت المسيحيين الهاربين بعد العام 2003، يستعدون لاغتنام الفرصة المناسبة للاستيلاء على بيوت اليهود أيضاً.

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

شاهد.. رحلة البحث عن "والدة العراق الحديث" المنسية.. غرترود بيل

في العراق جيل ما بعد صدّام شَبَّ بأحلام كبيرة صعبة المنال حالياً

فيديو: هاميلتون يحسم سباقا افتتاحيا مثيرا في جائزة البحرين الكبرى