في وقت يقف فيه الشرق الأوسط على أعتاب "شتاء جاف"، تتجه دول المنطقة إلى السماء طلبًا للغيث عبر "صلوات الاستسقاء"، وهي ممارسة تعود جذورها إلى التقليد الإسلامي، بما يطرح أسئلة حول واقع الأمن المائي في واحدة من أكثر مناطق العالم تضررًا من تغيّر المناخ وشحّ الموارد.
تشير تقديرات المناخ الصادرة عن "ISciences"، وهي شركة أمريكية خاصة تُعنى بتحليل المناخ وأمن المياه، إلى استمرار العجز في هطول المطر وتوافر المياه حتى ديسمبر 2025 في معظم أنحاء الشرق الأوسط.
وتشمل التوقعات فلسطين ولبنان وغرب وشمال سوريا بعجز شديد إلى استثنائي، مع تسجيل نقص حاد في جنوب وجنوب شرق تركيا وشمال وشرق العراق، وعجز واسع في إيران وجنوب أذربيجان. أما قطر ووسط وشمال عُمان، فتواجهان ظروفًا مشابهة خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر وديسمبر.
السعودية
دعا الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى أداء صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء السعودية يوم أمس الخميس. ونقلت صحيفة "سعودي غازيت" عن الملك تشديده على أهمية تخفيف أعباء الناس وضيقهم "على أمل أن يرفع الله الشدة ويمنح البلاد ما ترجوه من مطر".
تداول ناشطون عبر مواقع التواصل مقاطع من خطبة صلاة الاستسقاء في المسجد الحرام، حيث اعتبر إمام وخطيب المسجد ياسر الدوسري أن "حبس المطر مرتبط بتقصير الناس في الطاعات وارتكاب المعاصي، مذكّرًا بأن سنن الله في الأمم الماضية لا تتبدل".
ودعا الدوسري إلى "مراقبة الله والابتعاد عن الشرك والمحرمات التي تُزيل النعم وتُنزِل البلاء، محذرًا من الاستهانة بالذنوب الصغيرة، مستشهدًا بقول أنس بن مالك إن أعمالًا كانت تُعدّ في زمن النبي من المهلكات رغم دقتها في أعين الناس".
وتواجه السعودية أزمة مائية متفاقمة بفعل موقعها الصحراوي وقلّة الأمطار التي لا تكاد تغطي احتياجاتها السنوية. وتعاني البلاد من ندرة في الموارد السطحية والجوفية، في ظل غياب أي مصادر طبيعية إضافية مثل الجبال الثلجية، ما يجعل تأمين المياه أحد أبرز التحديات البيئية المستمرة في المملكة.
قطر
شهدت قطر، أمس الخميس، تلبية واسعة لدعوة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لإقامة صلاة الاستسقاء في مختلف أنحاء الدولة. وقد أدى الأمير الصلاة بنفسه إلى جانب المصلين، في مشهد جمع بين الحضورين الرسمي والشعبي.
كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد أعلنت مسبقًا قائمة تضم 124 مسجدًا وجامعًا مخصّصًا لهذه الصلاة، موزعة على مختلف المناطق لضمان وصول الناس إلى أقرب المصليات .
وخلال هذا الأسبوع، دعا وزير الدولة لدى وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي إلى تعزيز التعاون ووضع أطر مشتركة لإدارة الموارد العابرة للحدود، مشددًا على أن الأمن المائي ليس خيارًا استراتيجيًا فحسب، بل التزام أخلاقي ومسؤولية جماعية، باعتبار أن حفظ المياه هو حفظ للإنسان والأرض.
وتصنّف قطر ضمن أكثر دول العالم تعرضًا للإجهاد المائي، مع تراجع مستويات المياه الجوفية واستنزاف الآبار نتيجة شح الأمطار والاعتماد الكبير على المياه الجوفية في الزراعة، فضلًا عن ارتفاع الملوحة. وتراجعت مواردها الطبيعية المتجددة إلى ما دون خط الفقر المائي، في وقت ازداد فيه الطلب الزراعي على المياه خلال العقود الماضية.
إيران
دعا المرجع الديني آية الله جوادي آملي الإيرانيين إلى أداء صلاة الاستسقاء في ظل موجة جفاف قاسية أدت إلى انخفاض منسوب الأمطار واستنزاف الأنهار والسدود وتفاقم أزمة تهدد العاصمة طهران.
وأوضح أن الصلاة لا تُؤدّى لطلب المطر فقط، بل لزيادة المياه في الآبار والينابيع والمصادر الجوفية. وقد أعلنت عدة مدن إيرانية تنظيم هذه الصلاة استجابة للدعوة.
وتحذّر تقارير ومسؤولون من اقتراب البلاد من أزمة مياه شاملة، مع تراجع تدفق المياه إلى الخزانات الرئيسية، بما فيها المحيطة بطهران، وانخفاض مستوياتها إلى أرقام قياسية. أزمة المياه هذه، الناتجة عن سنوات الجفاف واستنزاف المياه الجوفية وسوء الإدارة، تهدد المدن والمزارع والاقتصاد برمّته.
الكويت
في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أقامت الكويت صلاة الاستسقاء في 125 مسجدًا استجابة لدعوة وزارة الشؤون الإسلامية في ظل انحباس المطر. وتواجه البلاد أزمة مائية متصاعدة بسبب ندرة الموارد الطبيعية وتراجع كميات المياه المتاحة مقابل الطلب المتزايد.
وتشير تقديرات مؤسسات إقليمية ودولية إلى أن المنطقة تتجه نحو انخفاض في توافر المياه قد يصل إلى 20% بحلول عام 2050، مقابل ارتفاع في الاستهلاك قد يبلغ 50%، ما يضع الكويت ضمن الدول الأكثر تعرضًا لمخاطر الجفاف والتصحّر.
الإمارات
يوم الجمعة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أقامت الإمارات صلاة الاستسقاء في جميع مساجدها بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد، وبالتنسيق مع مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي والجهات المعنية بالشؤون الإسلامية في دبي والشارقة. وتهدف الدولة من خلال هذا التقليد الديني إلى التضرع إلى الله طلبًا لنزول الغيث.
وتعاني الإمارات من شحّ حاد في المياه بفعل طبيعتها الجافة وقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب محدودية المياه الجوفية. هذا الواقع دفعها للاعتماد على مصادر غير تقليدية مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف وتقنيات الاستمطار، لضمان تلبية احتياجات السكان والقطاعات الاقتصادية بسبب الارتفاع المتواصل في الطلب.