اقترح الباحثون الاعتماد على مهمات فضائية مثل مشروع "نيو سرفيور" التابع لوكالة ناسا أو مشروع "كراون" الصيني، لرصد هذه الأجسام من مواقع أقرب إلى الشمس.
كشفت دراسة أجراها باحثون في جامعة ولاية ساو باولو (UNESP) في البرازيل عن وجود كويكبات تدور في مدار مشترك مع كوكب الزهرة، لكنها تبقى غير مرئية للتلسكوبات الأرضية بسبب قربها الشديد من الشمس.
وتشير النتائج، المنشورة في مجلة "علم الفلك والفيزياء الفلكي"، إلى أن هذه الكويكبات قد تشكّل تهديدًا للأرض على مدى بضعة آلاف من السنين، رغم غياب أي رصد مباشر لها حتى الآن.
وتنتمي هذه الأجسام إلى فئة تُعرف بـ"الكويكبات المدارية المشتركة للزهرة"، التي تدور حول الشمس في نفس الفترة التي يستغرقها كوكب الزهرة لإكمال دورة واحدة، ما يضعها في رنين مداري بنسبة 1:1. ومع ذلك، فإن مداراتها شديدة الانحراف وغير مستقرة، وتنتقل بين تكوينات مدارية مختلفة في دورات متوسطها نحو 12 ألف سنة، ما يزيد من احتمال اقتراب بعضها من مدار الأرض في مراحل لاحقة.
ثغرة رصد خطيرة
رغم تسجيل الكتالوجات الفلكية الحالية لوجود 20 كويكبًا فقط في مدار الزهرة، فإن جميعها تقريبًا — باستثناء كويكب واحد — تمتلك انحرافًا مركزيًّا يفوق 0.38. هذا الانحراف العالي يجعل مداراتها تمتد بعيدًا عن الشمس، ما يسهّل رصدها من الأرض. لكن الباحثين يحذرون من أن النماذج الحاسوبية تشير إلى وجود عدد أكبر بكثير من الكويكبات ذات الانحراف المركزي الأقل من 0.38، والتي تبقى قريبة من مدار الزهرة الدائري نسبيًّا، وبالتالي تكاد تكون غير قابلة للاكتشاف من الأرض.
ويوضح فاليريو كاروبا، عالم الفلك في كلية الهندسة بجامعة UNESP (FEG-UNESP) والمؤلف الأول للدراسة، أن "غياب الأجسام ذات الانحراف المركزي المنخفض ليس ناتجًا عن غيابها الفعلي، بل عن تحيّز رصدي واضح". فكلما كان انحراف الكويكب أقل، كان مداره أقرب إلى دائري، وأكثر التصاقًا بالشمس في السماء، ما يجعل رصده من كوكبنا شبه مستحيل بسبب الوهج الشمسي.
من الزهرة إلى الأرض
وفقا للدراسة، تزيد الطبيعة الديناميكية لهذه الكويكبات من خطورتها. ففي مراحل انتقالها بين التكوينات المدارية المختلفة، قد تقترب بعضها من مدار الأرض إلى درجة تُعدّ حرجة. ووفقًا لمحاكاة عددية طويلة المدى دمجت بين النمذجة التحليلية والديناميكا المدارية، يمكن لبعض هذه الأجسام أن تصل إلى مسافات لا تتجاوز 5×10−4 وحدة فلكية من الأرض. وعلى المقياس الفلكي، تمثّل هذه المسافة اقترابًا كافيًا لجعل اصطدامها بكوكبنا احتمالًا واقعيًّا خلال بضعة آلاف من السنين.
ويحذر كاروبا من أن كويكبًا بقطر 300 متر فقط، من هذه الفئة، قادر على تشكيل حفرة يتراوح عرضها بين 3 و4.5 كيلومترات، وإطلاق طاقة توازي مئات الميغاطن من مادة تي إن تي. وفي حال اصطدامه بمنطقة حضرية مكتظة، فإن العواقب ستكون كارثية على نطاق واسع.
تلسكوبات الأرض عاجزة
رغم التقدم الكبير في تقنيات الرصد الأرضي، فإن الدراسة تخلص إلى أن حتى أحدث المرصدات، مثل مرصد فيرا سي. روبين (LSST) في تشيلي، لن تكون قادرة على رصد هذه الكويكبات بشكل فعّال.
وتشير المحاكاة إلى أن ألمع هذه الأجسام لن تكون مرئية سوى لمدة أسبوع إلى أسبوعين، وفي حال ارتفعت أكثر من 20 درجة فوق الأفق — وهي ظروف نادرة للغاية. كما أن فترات الرؤية هذه تفصلها فترات طويلة من الغياب الكامل عن مجال الرؤية.
ويؤكد كاروبا أن "مثل هذه الكويكبات يمكن أن تظل مختفية لشهور أو حتى سنوات، ثم تظهر لبضعة أيام فقط تحت ظروف مثالية، ما يجعل اكتشافها عمليًّا مستحيلًا عبر برامج الرصد الروتينية".
ويقترح الباحثون بديلًا استراتيجيًّا: الاعتماد على تلسكوبات فضائية متخصصة تراقب المناطق القريبة من الشمس. ومن بين المهام الواعدة في هذا السياق، مسبار "نيو سيرفيور" (NEO Surveyor) التابع لوكالة ناسا، ومسبار "كراون" (CROWN) الذي تقترحه الصين، واللذان يمكنهما العمل من مواقع قريبة من مدار الزهرة، ما يمنحهما قدرة فريدة على رصد الكويكبات ذات الاستطالة الشمسية المنخفضة.
أصل الكويكبات
تشير الدراسة إلى أن هذه الكويكبات لم تتشكل في مكانها الحالي، بل نشأت في الحزام الرئيسي للكويكبات الواقع بين المريخ والمشتري. ونتيجة لتفاعلات جاذبية معقدة، خصوصًا مع كوكبي المشتري وزحل، تم تحويل مداراتها تدريجيًّا نحو الداخل، حيث تم "التقاطها" مؤقتًا في رنين مداري مع كوكب الزهرة.
ويوضح كاروبا أن هذه الحالة المدارية "سريعة الزوال" على المقياس الفلكي، إذ لا تدوم أكثر من 12 ألف سنة في المتوسط، قبل أن تتحول مداراتها إما إلى مسارات قريبة من الأرض، أو تُطرد خارج النظام الشمسي بالكامل.
الدفاع الكوكبي: يجب أن يشمل ما لا نراه
تُوجّه الدراسة تحذيرًا واضحًا إلى المجتمع العلمي والجهات المعنية بالدفاع الكوكبي. ويؤكد الباحث فاليريو كاروبا أن أنظمة الحماية من الأجسام القريبة من الأرض لا يمكن أن تعتمد فقط على ما هو مرئي اليوم، بل يجب أن تأخذ في الحسبان الأجسام التي لا تزال خارج نطاق رصدها. ولفعْل ذلك، يرى أن السبيل الوحيد هو تطوير تقنيات فضائية متخصصة، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي، لرصد الكويكبات القريبة من الشمس قبل أن تصبح خطرًا ماثلًا.