تُظهر دراسة حديثة أن مجموعات النمل تمتلك نظامًا بيولوجيًا شديد الحساسية يمكّنها من رصد العدوى القاتلة في مراحلها المبكرة. وهذا النظام القائم على الإشارات الكيميائية تطوّر ليضمن استقرار التجمعات ويحميها من تفشي الأمراض قبل خروجها عن السيطرة.
يُظهر البحث أن يرقات النمل عندما تصاب بمرض، تطلق رائحة كيميائية خاصة تنبّه الأفراد الآخرين حولها إلى أنها تحمل عدوى قاتلة، وبدلًا من إخفاء المرض، ترسل إنذارًا مبكرًا يشير إلى الخطر الذي ستشكّله قريبًا.
وعندما يلتقط من حولها هذه الإشارة، يتدخلون سريعًا: يعملون على إزالة الغلاف الخارجي للنملة المصابة، يُحدثون شقوقًا في طبقتها السطحية، ثم يغمرونها بحمض الفورميك، وهو المركّب الذي ينتجه النمل كوسيلة طبيعية ضد الميكروبات. هذه العملية توقف انتشار المرض لكنها تُنهي حياة النملة المريضة أيضًا.
وتوضح إيريكا داوسون أن ما يبدو كنوع من "تضحية" يحمي الكائنات المرتبطة بالنملة المريضة جينيًا، ما يساعد على استمرار المادة الوراثية المشتركة عبر الأجيال.
وتشير دراسة داوسون وتوماس شميت إلى أن هذا النوع من الإشارات التحذيرية المرتبطة بالمرض سُجَّل للمرة الأولى لدى الحشرات ذات السلوك الجماعي، إذ إن غياب هذا الإنذار قد يسمح للنملة المصابة بأن تموت دون أن يُلاحظ من حولها وتتحوّل إلى بؤرة عدوى خطرة.
داخل التجمعات، تنشغل الإناث بـ"إنتاج" السلالات الجديدة، بينما يتولى الذكور مهام الرعاية والتنظيف والعناية الصحية. ويشبه هذا التقسيم ما يحدث داخل جسم واحد، حيث تؤدي الخلايا وظائف متخصصة للحفاظ على الاستقرار.
"لغة كيميائية" خاصة
تشير الأبحاث إلى أن النمل "البالغ" المصاب بعدوى قد يغادر المكان ليموت خارجه، وأن النمل الذي يتعرض للجراثيم قد يبتعد لمسافة محدودة، لكن يرقات النمل غير قادرة على الحركة، ما يجعلها مشابهة للخلايا المصابة داخل الأنسجة التي تعتمد على استجابة جهاز المناعة. وفي كلتا الحالتين، يعتمد الكائن المصاب على "مساعدين" يستجيبون لإشارة كيميائية من أجل منع انتشار العدوى.
والإشارة يجب أن تكون شديدة الدقة: تظهر فقط عندما يكون المرض قاتلًا، وتنتج بطريقة تمنع استهداف النمل السليم. وفي هذا السياق، يشرح شميت أن الرائحة المرتبطة بالعدوى لا تنتشر في الهواء، بل تلتصق بجسم اليرقات.
وتوضح داوسون أن هذا الإنذار ليس عشوائيًا، فالنمل الذي يمتلك قدرة أعلى على مقاومة العدوى، لا يطلقه. أما النمل الذي لا يمكنه السيطرة على المرض، فهو الذي يصدر الإشارة. وهذا الشكل من الإشارات الكيميائية يُظهر انسجامًا لافتًا بين تجمعات النمل، ما يجعل الاستجابة فعّالة إلى حد كبير في الحد من الأمراض.