قدم التقرير أدلة دامغة على الثمن الباهظ لهذا التأخير: أظهرت نماذج محاكاة موثوقة أن فرض الإغلاق قبل أسبوع واحد فقط كان من شأنه تخفيض عدد الوفيات في إنجلترا خلال الموجة الأولى إلى النصف تقريباً.
أعلنت لجنة تحقيق مستقلة أن تأخر فرض الإغلاق في بريطانيا خلال الموجة الأولى لجائحة كوفيد-19 كلف البلاد أكثر من 23 ألف وفاة كان يمكن تجنبها، في تقريرٍ وصف استجابة الحكومة بـ"كارثية"، وكشف عن ثقافة عمل "سامة وفوضوية" داخل مكتب رئيس الوزراء آنذاك، بوريس جونسون.
واستندت اللجنة، التي ترأسها القاضية المتقاعدة هيذر هاليت، إلى أكثر من 750 صفحة من الشهادات والوثائق في تقييمها اللاذع لأداء الحكومة خلال الأشهر الحاسمة من الجائحة.
وكشف التقرير أن شهر فبراير/شباط 2020 شهد "فشلاً جسيماً" في القيادة: لم يترأس بوريس جونسون أي اجتماع للجنة الطوارئ "كوبرا" طوال الشهر، رغم تصاعد التحذيرات العالمية من تفشي الفيروس في إيطاليا وآسيا.
وشهدت استجابة الحكومة توقفاً فعلياً خلال عطلة منتصف الفصل الدراسي، فيما لم يتلقَ جونسون، وفق التقرير، أي تحديثات منتظمة عن الأزمة أثناء تواجده في المقر الحكومي الريفي "تشيفينينغ".
وقدم التقرير أدلة دامغة على الثمن الباهظ لهذا التأخير: أظهرت نماذج محاكاة موثوقة أن فرض الإغلاق قبل أسبوع واحد فقط كان من شأنه تخفيض عدد الوفيات في إنجلترا خلال الموجة الأولى إلى النصف تقريباً. وأكد أن التأخير لم يكن نتيجة نقص في البيانات، بل "تردّداً واضحاً في اتخاذ القرار الحاسم".
وهاجم التقرير المبرر الذي استندت إليه الحكومة لتأجيل الإغلاق: نظرية "الإرهاق السلوكي"، التي تفترض أن التزام المواطنين بالقيود سيتراجع مع الوقت. وصفت اللجنة هذه الفرضية بأنها "لا أساس لها في علم السلوك"، مشيرةً إلى أنها "أسهمت في تأخير حاسم زاد من حصيلة الوفيات".
رفع القيود مبكراً.. ثم "أمل كاذب" قبل عيد الميلاد
و كما كشف التقرير عن ثقافة "سامة"داخل مكتب رئيس الوزراء، سيطر فيها المستشار دومينيك كامينغز والأصوات الأعلى، بينما جرى تهميش الخبراء الفنيين والنساء.
وأشار إلى أن جونسون نفسه "تبنى هذه الثقافة"، واعتمد على وعود "مبالغ فيها" من وزير الصحة مات هانكوك، الذي اشتُهر بـ"الإفراط في الوعود وعدم الوفاء بها".
وانتقد التقرير القرار "غير الحكيم" برفع القيود في صيف 2020، وهو قرار دُفع به جزئياً من وزير الخزانة آنذاك ريشي سوناك.
ومع عودة الموجة الثانية في أكتوبر/تشرين الأول، تأخر فرض الإغلاق الجديد، بينما منحت الحكومات الأربع الجمهور "أملاً كاذباً" بإمكانية تخفيف القيود خلال عيد الميلاد.
إخفاق في التواصل ونماذج اقتصادية ضعيفة
وسلط المجلد الثاني من التقرير الضوء على إخفاقات منهجية: تعقيد الرسائل الإعلامية، خصوصاً مع القيود المحلية التي أربكت المواطنين.
كما انتقد جودة النماذج الاقتصادية المستخدمة، ووصفها بـ"الضعيفة بشكل ملحوظ". وتركيبية اللجنة العلمية الاستشارية "سايج" لكونها "غير منظمة".
وخلص التقرير إلى حكم قاسٍ: "استجابة الحكومات الأربع كانت دائماً أقل من المطلوب، وأبطأ من اللازم". وأكد أن الفشل في تقدير حجم التهديد، والتأخر في اتخاذ الإجراءات الحاسمة حتى أصبحت لا مفر منها، كان "خطأً لا يُغتفر".