تتجه الأنظار في أوروبا نحو هولندا مع انطلاق الانتخابات العامة المبكرة، الأربعاء، في أجواء سياسية مشحونة يقودها اليمين المتطرف بزعامة النائب خيرت فيلدرز.
كان فيلدرز، زعيم حزب من أجل الحرية، قد أسقط التحالف الحكومي الرباعي الأخير بسبب خلاف حول تشديد قانون الهجرة.
وتأتي الانتخابات في وقت يعاني البلد ذو الـ 18 مليون نسمة من انقسامات عميقة، تصاعدت معها أعمال العنف خلال مظاهرة مناهضة للهجرة في لاهاي، واحتجاجات في أنحاء البلاد ضد مراكز استقبال طالبي اللجوء الجديدة.
انهيار التحالف السابق
لم يصمد التحالف الحكومي السابق، الذي شكّله رئيس الوزراء ديك شوف قبل عام فقط، طويلاً. وكانت الحكومة قد جمعت بين حزبي "من أجل الحرية" (اليميني المتشدد) و"الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" (الليبرالي)، إضافة إلى "حزب العقد الاجتماعي الجديد" و"حزب الفلاحين".
وانهار التحالف بعد انسحاب فيلدرزغاضباً، رافضاً قرار شركائه بعدم تبني ما أسماه "خطة طوارئ وطنية" من عشر نقاط، تتضمن وقف استقبال طالبي اللجوء ونشر الجيش على الحدود.
الهجرة وأزمة السكن في صدارة الحملات
تتركز الحملات الانتخابية الحالية على قضيتي الهجرة وأزمة السكن، إلى جانب تساؤلات حول إمكانية تعاون الأحزاب الأخرى مع فيلديرز في تحالف جديد، إذا ما تمكن حزبه من تحقيق انتصار كبير.
نظام التمثيل النسبي والمفاوضات
يضمن نظام التمثيل النسبي في هولندا ألا يفوز أي حزب بالأغلبية بمفرده، ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات لتشكيل التحالف الحكومي الجديد يوم الخميس.
وتُغلق مراكز الاقتراع الساعة التاسعة مساءً، لتبدأ وسائل الإعلام مباشرة في نشر نتائج استطلاعات الرأي المبدئية للناخبين بعد خروجهم من صناديق الاقتراع.
أماكن الاقتراع المتنوعة
يتمكن الناخبون من الإدلاء بأصواتهم في أماكن متنوعة، تتراوح بين القاعات البلدية والمدارس، والطواحين التاريخية والكنائس، وحديقة حيوانات، وسجن سابق في أرنهيم، وحتى متحف آن فرانك الشهير في أمستردام. وفي لاهاي، توقف عدد كبير من الموظفين والركاب للتصويت في مركز اقتراع أُقيم بمحطة القطار المركزية بجوار مبنى البرلمان.
استطلاعات الرأي: تقدم فيلدرز مع تحفظات
تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب فيلدرز لا يزال في طريقه للفوز بأكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب المؤلف من 150 مقعداً. إلا أن المراقبين يعتقدون أن كثيراً من الناخبين ينتظرون اللحظة الأخيرة ليقرروا خياراتهم، بينما تحاول الأحزاب الأكثر اعتدالاً اللحاق بالمنافس اليميني، وفقًا لوكالة "أسوشيتد برس".
في المقابل، تقول هيئة الإذاعة البريطانية ، إن حزب فيلدرز، حتى في حال فوزه بالتصويت، فإن فرصه تبدو ضئيلة في تشكيل حكومة جديدة.
وكان فيلدرز نفسه قد وصف الأجواء بالقول، في برنامج إخباري هولندي الثلاثاء: "لم يكن الوضع متوترًا بهذا الشكل منذ وقت طويل".
شريك غير موثوق
رفضت الأحزاب الرئيسية في البرلمان مسبقاً التعاون مع فيلدرز، معتبرة أن قراره إسقاط التحالف الرباعي السابق يظهر أنه "شريك غير موثوق".
وقال روب ييتن، زعيم حزب D66 الوسطي-اليساري، في مناظرة تلفزيونية: "يمكن للناخبين غدًا أن يختاروا مرة أخرى الاستماع إلى كراهيتك المتجهمة لعشرين عامًا أخرى، أو يختاروا، بطاقة إيجابية، ببساطة للانطلاق في العمل ومعالجة هذه المشكلة وحلها".
بدوره، وجه فرانس تيمرمانز، نائب رئيس المفوضية الأوروبية السابق والقائد الحالي للكتلة اليسارية-الوسطى (حزب العمال واليسار الأخضر)، انتقادات لفيلديرز قائلاً: "أتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه وضع حد لعهد فايلدرز".
تطلعات فيلدرز والواقع السياسي
يرفض فيلدرز الاتهامات بأنه فشل في الوفاء بتعهداته الانتخابية لعام 2023 رغم كونه أكبر حزب في البرلمان، ملقياً باللوم على الأحزاب الأخرى التي "أعاقت خططه".
وقال: "لو كنت رئيسًا للوزراء — وهو ما استحقه كزعيم لأكبر حزب — لكنا قد نفذنا تلك الأجندة". إلا أنه تراجع عن تولي رئاسة الوزراء خلال مفاوضات ما بعد الانتخابات السابقة لأنه لم يحظ بدعم شركاء محتملين في التحالف.
اختفاء حزب من الخريطة السياسية
من المتوقع أن تشهد الانتخابات تراجعاً كبيراً لـ "حزب العقد الاجتماعي الجديد" الإصلاحي، الذي فاز بـ 20 مقعداً في الانتخابات السابقة وانضم إلى التحالف المنتهية ولايته.
وتتوقع الاستطلاعات أن يخسر الحزب كل مقاعده أو معظمها، مما يعني اختفاءه فعلياً من الخريطة السياسية. ويأتي هذا التراجع بعد قرار الحزب الانضمام إلى تحالف مع فيلديرز، ورحيل زعيمه الشعبي بيتر أومتزجيت في أبريل الماضي، الذي استشهد بصحته النفسية.
يُعتقد أن صعود اليمين المتطرف في هولندا لم يكن من صنع خيرت فيلديرز، وحده، بل ساهمت الأحزاب التقليدية والليبرالية في تمهيد الطريق لصعوده عندما تبنت بعض أطروحاته بشأن الهجرة والهوية، مما أفقدها تمايزها الأخلاقي والسياسي أمام ناخبيها.