كيف يستعد ناجون من النزاعات والحروب لمواجهة وباء كوفيد-19؟

اب بسير مع ابنه في مخيم في الضفة الغربية المحتلة - 1987/12/11
اب بسير مع ابنه في مخيم في الضفة الغربية المحتلة - 1987/12/11 Copyright أ ب
بقلم:  Sami Fradi
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

في مثل هذه الأوقات نجد الناجين من الحروب الأخيرة، قد اكتسبوا حكمة من وراء المعاناة، وقليلون من لديهم خبرة أكثر من الفلسطينيين، في ما تعلق بمكوثهم رهن الحجر القسري والحصار.

اعلان

في وقت تترنح فيه الدول الغربية تحت وطأة وباء كوفيد-19 (كورونا)، تراها تستيقظ على واقع جديد من الانهيار الاقتصادي، والمستشفيات المكتظة والرحلات الجوية المتوقفة والحجر المنزلي، وتتوق إلى نهاية هذه الأيام العصيبة.

ولكن بالنسبة إلى ملايين الأشخاص عبر دول الشرق الأوسط ومناطق النزاع البعيدة، فإن هذا الوضع أضحى مألوفا، ولكن بصورة فظيعة. وفي مثل هذه الأوقات نجد الناجين من الحروب الأخيرة، قد اكتسبوا حكمة من وراء المعاناة، وقليلون من لديهم خبرة أكثر من الفلسطينيين، في ما تعلق بمكوثهم رهن الحجر القسري والحصار.

من زمن الانتفاضة

كانت إسرائيل خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أغلقت مناطق من الأرض الفلسطينية المحتلة بداية سنة 2000، واستخدمت الحواجز وحظر التجول، في محاولة لقمع الاحتجاجات.

ففي سنة 2002 فرضت إسرائيل حظر التجول على مدار الساعة في بيت لحم، في وقت قاتلت مقاومين فلسطينيين تحصنوا بكنيسة المهد. وفي تلك الظروف يتذكر جمال شحاته كيف بقي عالقا في منزله مدة 25 يوما، قبل أن يهرب إلى مستوطنة إسرائيلية بغرض العمل، وانتهى به الأمر إلى النوم في المصنع إلى حين فك الإغلاق.

واليوم يجد جمال نفسه عالقا مرة أخرى بعد أن أغلقت إسرائيل والسلطة الفلسطينية بيت لحم، وفرضتا قيودا صارمة على التنقل، بعد ثبوت إصابة عديد الأهالي والسياح بفيروس كوفيد-19 السريع الانتشار.

ويقول شحاته إن انتشار الفيروس أكثر خطورة من الاجتياح الإسرائيلي، لأنه يإمكان الشخص البقاء بعيدا عن الجنود، ولكن قد لا يمكنه الابتعاد عن الفيروس على حد قوله.

والآن يعيش شحاته مع زوجته وأبنائه منذ الخامس من الشهر الحالي، بالطريقة نفسها التي عاشها سنة 2002، فهم يشاهدون الأخبار والمسلسلات التي يبثها التلفزيون ويلعبون الورق، وينتظرون أن يتحسن الوضع.

حصار غزة والوباء

يخضع قطاع غزة إلى حصار إسرائيلي ومصري منذ سيطرة حركة حماس عليه سنة 2007، والقيود عل السفر منه وإليه شديدة، وعديد الفلسطينيين ظلوا محاصرين في منازلهم لأيام عدة بل ولأسابيع، خلال الحروب الثلاثة التي خاضتها إسرائيل مع الفسطينيين في القطاع.

فخلال حرب 2008-2009 استيقظ محمد العطار ذات صباح، على وقع أزيز الدبابات والطائرات وإطلاق النار. حينها كان العديد من أفراد أسرته مجتمعين في الطابق الأرضي، حيث كان 80 شخصا ينامون في قاعة الجلوس والمطبخ.

وقد قامت العائلة بتخزين حاجياتها الأساسية، ولكنها رفعت العلم الأبيض بعد خمسة أيام وتم نقلها إلى ملجإ. ويقول العطار إن افراد العائلة كانوا يصلون من أجل أن ينتهي الهجوم.

تم تسجيل حالتي إصابة في غزة بسبب فيروس كوفيد-19 (كورونا)، ولكن هناك مخاوف من أن يطغى تفشي الوباء ولو على مستوى صغير على نظام الرعاية الصحي هناك، ففي غزة يوجد 60 جهاز تنفس اصطناعي فقط لنحو مليوني نسمة، بل إن معظم الاجهزة هي في طور الاستعمال من جانب مصابين بأمراض أخرى.

وقبل وقت طويل من تفشي وباء كوفيد-19، أجبر الفلسطينيون في غزة على مجابهة صعوبات الحياة اليومية، فاغلب الناس يستفيدون بساعات قليلة من الكهرباء يوميا، ومياه الصنبور غير صالحة للشرب، ونسبة البطالة تتجاوز 50 في المائة، ومن يريدون المغادرة ليس بيدهم حيلة، فالحدود الآن مغلقة.

سراييفو وحروب البلقان

في سراييفو أثار الحجر المنزلي ذكريات مريرة، عندما حاصر الصرب المدينة البوسنية طيلة 46 شهرا خلال حروب البلقان في التسعينات. واليوم يستخلص البوسنيون العبرة من الماضي، فترى منهم من يشتري الموقد وبذور البطاطا والبصل والدقيق، تحسبا لأسابيع صعبة.

العدو المجهول

تتعدد المقارنات مع عميات الإغلاق زمن الحروب، وتقول هناء اليمن من مدينة صيدا اللبنانية، والتي عاشت فترة الحرب الأهلية والحرب الإسرائيلية على لبنان، إن وباء كوفيد-19 وحالة الحجر المنزلي العامة في البلاد، أمر مختلف عن أي تجربة سابقة.

وتقول هناء إنها تتذكر أنه كان بإمكان الناس ان يخرجوا زمن الحرب، رغم الخوف من الطائرات الحربية والقصف المدفعي، مشيرة إلى وجه الاختلاف بين الأمس واليوم، وهو أن الناس يشعرون اليوم بخطر من عدو لا يعرفونه ولا يرونه، ويمكنه أن يصيب أي عائلة أو أي واحد من افرادها في أي وقت.

كوبا ودرس العقوبات

وفي كوبا حيث فرض حجر منزلي مدة 30 يوما، ترى الكثيرين من الناس متمكنين من تحقيق اكنفائهم الذاتي، جراء خبرتهم من العقوبات الأمريكية التي فرضت على بلدهم طيلة عقود طويلة.

وتقول تيمي مارتينز الموظفة في شركة حكومية، إن الناس كانوا يقومون بخزن المؤونة والحاجيات دائما، قائلة إنه إذا كان هناك دجاج، فإنه يتم استهلاكه بكمايت صغيرة، وإذا كانت هناك نقود، يتم شراء المأكولات المعلبة والسكر، والخبز يتم تحميصه حتى تدوم صلاحيته للاستهلاك. وأضافت تيمي أنه باستطاعتها البقاء في الحجر المنزلي اسابيع إذا أرادت أن تبدأ من اليوم.

حصار شبه دائم في كشمير

وفي منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، تعد عمليات الإغلاق واقعا يوميا منذ عقود، ويريد سكان الإقليم الاستقلال، أو الوحدة مع باكستان.

اعلان

وفي آب/أغسطس الماضي جردت الهند الإقليم من الحكم الذاتي، وفرضت حجرا منزليا على السكان البالغ عددهم 7 ملايين نسمة لأشهر طويلة، وفرضت تعتيما إعلاميا وقطعت الانترنت وخدمات الهاتف، وفي عملية استباقية لاندلاع احتجاجات، اعتقلت القوات الهندية آلاف الأشخاص.

ويقول أحمد سجاد إن الكشميريين تعلموا الكثير من حظر التجول وعمليات الإغلاق الأمنية، ذلك أن المتطوعين بادروا بمساعدة المسنين والعجز، والأولياء خبروا كيف يدرسون أطفالهم في المنزل، وكثيرون أضحوا يتقنون الاسعافات الاولية، بفضل معالجة الجرحى خلال الصدامات مع قوات الأمن الهندية.

ويختم سجاد حديثة بالقول، إنه عندما تبقى العائلات عالقة في بيوتها لأسابيع وربما لأشهر، فإنها تتبادل القصص بما يضفي شعورا بوحدة التاريخ، ويخلق قوة في الأوقات العصيبة، مبينا أن الحجر يساعد في إعادة اكتشاف العائلة، والتواصل اجتماعيا.

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

الإمساك بأسد أمريكي بري في وسط العاصمة سانتياغو المهجورة بسبب الحجر المنزلي

شاهد:"الله يحميك من كوفيد-19"....تضرع ودعاء من "الرسل الملائكة" إلى العالم

من داخل مستشفى كمال عدوان في غزة.. الأطفال يتضورون جوعاً والصحة العالمية تدق ناقوس الخطر