من جون ديفيسون
جلولة (العراق) (رويترز) - لم يعد يوسف إبراهيم يتنقل ليلا على الطرق المحيطة ببلدته جلولة في شمال شرق العراق. فهو يخشى أن يجد نفسه وسط هجمات يشنها تنظيم الدولة الإسلامية.
قال إبراهيم البالغ من العمر 25 عاما ويعمل بائعا للأسماك في سوق قريب "الشرطة والجيش لا يأتون لمنطقتنا كثيرا الآن. وإذا حدث يطلق المتشددون النار عليهم".
ويقول أكثر من عشرة من المسؤولين الأمنيين والقيادات المحلية والسكان في شمال العراق إنه بعد قرابة ثلاث سنوات من فقدان التنظيم سيطرته على آخر جيوبه، عاود مقاتلوه الظهور كمصدر لخطر قاتل يدعمهم غياب السيطرة المركزية في مناطق كثيرة.
لم يعد التنظيم يملك القوة الهائلة التي تمتع بها في فترة من الفترات غير أن خلايا المتشددين التي تعمل مستقلة عن بعضها البعض في الغالب ظلت موجودة عبر قطاع من شمال العراق وشمال شرق سوريا وفي الشهر الأخيرة ازدادت جرأتها في شن الهجمات.
قال جبار ياور المسؤول الكبير في قوات البشمركة في إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق "داعش ما عنده قوة مثل قبل في 2014. ولا عنده قيادة مشتركة قوية وليس قادر على السيطرة على المدن".
لكنه أضاف "إذا لا يوجد استقرار سياسي، لا يوجد استقرار اقتصادي. وإذا لا يوجد استقرار اقتصادي، ماكو (لا يوجد) استقرار أمني وداعش ينتعش".
وينتاب الخوف البعض من أن يكون ذلك قد بدأ يحدث بالفعل.
ففي أواخر يناير كانون الثاني نفذ تنظيم الدولة الإسلامية أدمى عملياته ضد الجيش العراقي منذ سنوات حيث قتل 11 جنديا في بلدة بالقرب من جلولة حسب ما تقوله مصادر أمنية.
وفي اليوم نفسه اقتحم مسلحوه سجنا في سوريا تحت سيطرة فصيل كردي تدعمه الولايات المتحدة في محاولة لتحرير نزلاء موالين له.
وكان ذلك هو أكبر هجوم يشنه التنظيم منذ أن انهارت في 2019 دولة الخلافة التي أعلنها. وراح ضحية هذا الهجوم ما لا يقل عن 200 من نزلاء السجن والمتشددين كما سقط 40 من المقاتلين الأكراد و77 من حراس السجن وأربعة مدنيين قتلى.
وعزا مسؤولون وسكان في شمال العراق وشرق سوريا ما حدث إلى حد كبير إلى التنافس بين جماعات مسلحة. فعندما أعلنت القوات العراقية والسورية والإيرانية وقوات تعمل بقيادة أمريكية هزيمة الدولة الإسلامية انقلبت هذه القوى على بعضها البعض في مواجهات في أنحاء المنطقة التي كان التنظيم يحكمها.
والآن تهاجم فصائل تساندها إيران القوات الأمريكية وتقصف القوات التركية المتشددين الأكراد الانفصاليين. ويستمر كذلك نزاع قائم بين بغداد وإقليم كردستان الشمالي.
وتقوض هذه التوترات الأمن والحكم النزيه الأمر الذي يثير بلبلة كان تنظيم الدولة الإسلامية يستفيد منها من قبل.
وهذا بالنسبة ليوسف إبراهيم معناه المرور بحواجز أمنية يديرها جنود من الجيش العراقي وفصائل مسلحة من الشيعة من أجل الوصول إلى عمله في بلدة كانت حتى بضع سنوات مضت تحت سيطرة الأكراد.
ويقول مسؤولون محليون إن الأراضي الزراعية في المناطق النائية بين كل موقع عسكري وآخر تمثل مخبأ لمسلحي التنظيم.
ويتكرر هذا الأمر نفسه عبر ممر طوله نحو 644 كيلومترا في منطقة جبلية وصحراوية تمتد من شمال العراق إلى سوريا كان التنظيم يهيمن عليها في وقت من الأوقات.
وتحمل بلدات مثل جلولة آثار معارك ضارية دارت قبل نحو خمسة أعوام ومنها مبان تحولت إلى أكوام من الركام أو امتلأت بثقوب الطلقات النارية. وتمتلئ ساحاتها برايات مرفوعة تكريما لقادة من مختلف الفصائل المسلحة سقطوا في المعارك.
* نزاعات عراقية
النزاع الرئيسي في بعض مناطق العراق التي يعمل فيها التنظيم يدور بين الحكومة في بغداد وإقليم كردستان الذي يملك ثروة نفطية وبه منطقة استراتيجية يقول كل طرف من الطرفين إنها تابعة له.
وقد وقعت أسوأ هجمات المتشددين في العراق في الشهور الأخيرة في هذه المناطق. وسقط عشرات من الجنود والمقاتلين الأكراد والسكان قتلى في أعمال العنف التي يعزوها المسؤولون المحليون إلى متشددين موالين للتنظيم.
ويقول المسؤول الكردي جبار ياور إن مقاتلي التنظيم يستخدمون المنطقة الحرام بين الحواجز الأمنية للجيش العراق والأكراد والفصائل الشيعية في إعادة تجميع أنفسهم.
وأضاف "في بعض المناطق، المسافة بين الجيش العراقي والبشمركة هي 40 كم".
وقال العقيد محمد الجبوري من قيادة عمليات صلاح الدين "لحد هذه اللحظة داعش لا يزال غير مسيطر (على الأرض) لكنه وحسب معلوماتنا الاستخبارية يعمل ضمن مجاميع صغيرة من 10 إلى 15 عنصر للقيام بعمليات سريعة وخاطفة والانسحاب فورا".
وأضاف في مكالمة هاتفية مع رويترز أن مقاتلي التنظيم يستغلون "وجود بعض الثغرات الأمنية في مناطق انتشار القوات العراقية نتيجة لعدم تحصين مناطق التمركز بصورة جيدة ...
"أيضا ينشط داعش في مناطق تتوسط مناطق سيطرة البشمركة الكردية والجيش العراقي، وتقع في منطقة تسمى ’الحياد الأمني’ التي لا يسمح لقوات الطرفين بالدخول إليها".
ومن الناحية النظرية تعمل قوات الفصائل شبه العسكرية التابعة للدولة والمتحالفة مع إيران بالتنسيق مع الجيش العراقي لكن بعض المسؤولين المحليين يقولون إن ذلك لا يحدث دائما.
وقال أحمد زركوش رئيس بلدية السعدية في المنطقة المتنازع عليها "المشكلة هي أن القادة المحليين الجيش والفصائل ... لا يعترفون أحيانا بسلطة كل الآخر".
وأضاف "وهذا معناه أن مسلحي التنظيم يمكنهم العمل في الثغرات".
ويعيش زركوش خارج المدينة التي يتولى إدارتها ويقول إنه يخشى أن يغتاله مسلحو الدولة الإسلامية إذا قضى الليل في البلدة.
* سوريا والحدود
على الجانب الآخر من الممر المتنازع عليه يقول بعض المسؤولين والمحللين أن مسلحي التنظيم في سوريا يستفيدون من تلك البلبلة للعمل في المناطق ذات الكثافة السكانية الخفيفة.
قال تشارلز ليستر الزميل الباحث بمعهد الشرق الأوسط "المقاتلون يدخلون القرى والبلدات ليلا ويتمتعون بمطلق الحرية في العمل ومداهمة أماكن بحثا عن الطعام وترويع الأعمال وابتزاز ’الضرائب’ من السكان المحليين".
وأضاف "فعندهم انقسامات محلية كثيرة أخرى لاستغلالها لمصلحتهم سواء كانت عرقية أو سياسية أو طائفية".
وتسيطر قوات تابعة للحكومة السورية وفصائل تساندها إيران على الأراضي الواقعة غربي نهر الفرات وترابط قوات كردية تدعمها الولايات المتحدة شرقي النهر بما فيها المنطقة التي وقع فيها الهجوم على السجن.
والصورة على الجانب العراقي من الحدود ليست أقل تعقيدا.
إذ يسيطر جنود ومقاتلون متحالفون مع إيران وتركيا وسوريا والغرب على قطاعات من الأرض بحواجز أمنية لا تبعد عن بعضها البعض سوى بضع عشرات من الأمتار.
وتسعى إيران والفصائل التي تعمل بالوكالة لحسابها للحفاظ على السيطرة على المعابر الحدودية بين العراق وسوريا والتي تعد بوابة طهران إلى سوريا ولبنان وفقا لما يقوله مسؤولون غربيون وعراقيون.
ويرى المسؤولون الأمريكيون أن هذه الفصائل مسؤولة عن مهاجمة قرابة 2000 جندي أمريكي مرابطين في العراق وسوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ولم تعلق طهران على ما إذا كانت ضالعة في هذه الهجمات.
أما تركيا فتنفذ ضربات بالطائرات المسيرة من قواعد في شمال العراق تستهدف المسلحين الأكراد الانفصاليين الذين يعملون على أي من جانبي الحدود.
* سقوط الخلافة
كان التنظيم في ذروة قوته من 2014 إلى 2017 يهيمن علي حكم ملايين وأعلن مسؤوليته عن هجمات شهدتها عشرات المدن في مختلف أنحاء العالم أو كان مصدر إلهام لمنفذيها.
وأعلن زعيمه أبو بكر البغدادي قيام دولة الخلافة في ربع مساحة العراق وسوريا في 2014 قبل مقتله في غارة نفذتها قوات أمريكية خاصة في شمال غرب سوريا في 2019 بعد انهيار التنظيم.
وتقول القوات المسلحة في شمال العراق وفي شمال شرق سوريا إن عدد الجهات والفصائل المعادية لتنظيم الدولة الإسلامية سيحول دون أي فرصة لعودته.
وفي أعقاب الهجوم على السجن قال التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة ويحارب الدولة الإسلامية في بيان إن الهجمات الأخيرة أضعفت التنظيم.
غير أن بعض التجمعات السكنية غير مقتنعة بذلك.
قال حسين سليمان الموظف بالحكومة في بلدة سنجار العراقية التي اجتاحها التنظيم عام 2014 وقتل الآلاف من أبناء الطائفة اليزيدية "بعد الهجوم على السجن في سوريا نخاف من عودة داعش".
وأضاف "الدولة الإسلامية جاءت من سوريا في المرة السابقة. وكانت القوات العراقية والقوات التركية موجودة هنا أيضا لكنها فرت".