القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، الجنرال أليكسوس غرينكيويتش، قال في إحاطة يوم الخميس إنه “لا يزال من غير الواضح ما إذا كان التوغل متعمدًا أم لا”. وأضاف: “لا نملك بعد يقينًا بشأن نية الهجوم”.
ستعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة بناءً على طلب رسمي من بولندا، وذلك في أعقاب حادثة توغل طائرات مسيرة روسية في أراضيها ليل الأربعاء. وتأتي الخطوة في إطار مساعي وارسو لحشد دعم دولي عاجل، وسط تصاعد التوتر على الحدود الشرقية للناتو.
وسارع عدد من الحلفاء الأوروبيين إلى الإعلان عن دعمهم لبولندا، في مقدمتهم ألمانيا التي تعهدت بتعزيز وجودها العسكري على الجناح الشرقي للناتو، مضاعفةً عدد مقاتلات “يوروفايتر” المخصصة لدوريات المراقبة الجوية من مقاتلتين إلى أربع. كما استدعت عدة عواصم أوروبية، من بينها ستوكهولم، السفراء الروس للاحتجاج على ما وصفته “انتهاكات غير مقبولة تهدد أمن القارة”.
وقالت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمير ستينيرغارد، بعد لقائها السفير الروسي: “الانتهاكات الروسية غير مقبولة وتشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا”.
سيكورسكي: "لا يمكن تفسيره كحادث"
ووصف وزير الخارجية البولندي، رادوسواف سيكورسكي، الحادثة بأنها “هجوم روسي غير مسبوق على عضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو”.
وأكد في تصريحات لإذاعة محلية أن السلطات البولندية "تستبعد تمامًا فرضية الحادث العرضي، وتعتبر التوغل عملاً مقصودًا".
وأضاف: “تسعة عشر انتهاكًا لفضائنا الجوي، عشرات الطائرات المسيرة مُحددة، بعضها أُسقط، والعملية استمرت سبع ساعات متواصلة طوال الليل — لا يمكن بأي شكل اعتبار هذا حادثًا”.
وأشار إلى أن شظايا طائرات مسيرة عُثر عليها على بعد أكثر من 300 ميل داخل الأراضي البولندية، في مؤشر على مدى عمق التوغل.
الناتو يتصدى لأول مرة
وشهد الحادث أول تصدٍّ من قوات الناتو لطائرات مسيرة روسية داخل مجال جوي لدولة عضو. وأصدر وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي، بالتنسيق مع نظيريه الأوكراني والليتواني، بيانًا وصفوا فيه التوغل بأنه “هجوم متعمد ومنسق” و”استفزاز غير مسبوق”.
لكن القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، الجنرال أليكسوس غرينكيويتش، قال في إحاطة يوم الخميس إنه “لا يزال من غير الواضح ما إذا كان التوغل متعمدًا أم لا”. وأضاف: “لا نملك بعد يقينًا بشأن نية الهجوم”.
كما أعرب عن “ثقة منخفضة” في الأرقام التي أعلنتها بولندا بشأن عدد الطائرات المسيرة، قائلًا: “لا أستطيع اليوم أن أؤكد لكم بأي ثقة أنه كان عددها 20 أو 10. نحتاج إلى التفاصيل التقنية، واستجواب الطواقم الجوية التي كانت في السماء لمعرفة ما رأوه فعليًا”.
من جانبها نفت روسيا أن تكون طائراتها المسيرة قد استهدفت بولندا، لكن وزارة الدفاع الروسية لم تؤكد أو تنفِ مشاركة طائراتها في الحادث. وفي تصريح مقتضب يوم الخميس، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: “لن تدلي روسيا بأي تعليقات إضافية حول هذا الحادث”.
توسك يزور القاعدة الجوية
من جهة أخرى، زار توسك قاعدة جوية في مدينة واسك، وأشاد بالقوات الجوية البولندية لـ”استجابتها السريعة والفعالة”.
وأكد أن “برنامج التحديث العسكري الكبير” الذي أُعلن سابقًا “بات الآن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”.
وكشف أن بولندا تتوقع استلام أول دفعة من مقاتلات F-35 الأمريكية العام المقبل، ضمن صفقة طويلة الأمد تشمل 32 طائرة. وقال مخاطبًا الجنود: “نأمل أن يلتزم الأمريكيون بالمواعيد. نريد أن تصل إليكم أول طائرة في مايو، لنتحدث عن قوتنا الجوية بثقة متزايدة شهرًا بعد شهر، وعامًا بعد عام… وأن تكون بولندا آمنة حقًا من السماء”.
إغلاق جزئي للسماء… وتحذير من تدريبات بيلاروسية
وكإجراء احترازي، أعلنت بولندا إغلاق المجال الجوي المدني في شرق البلاد — القريب من حدود روسيا وأوكرانيا — حتى 9 ديسمبر، وقالت هيئة مراقبة الحركة الجوية إن القرار اتُخذ “لضمان الأمن الوطني”.
يُذكر أن المجال الجوي فوق أوكرانيا مغلق أمام الطيران المدني منذ فبراير 2022، فيما تُجبر الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيرة المطارات الروسية على الإغلاق بشكل متكرر.
وكشفت بولندا أن بعض الطائرات المسيرة التي اخترقت مجالها الجوي انطلقت من الأراضي البيلاروسية، حيث تستعد القوات الروسية والبيلاروسية لبدء تدريبات عسكرية كبرى يوم الجمعة.
ترامب يغرّد بغموض
في أول رد فعل أمريكي رفيع، اكتفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنشر تغريدة غامضة على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيها: “ما شأن روسيا وهي تنتهك المجال الجوي البولندي بالطائرات المسيرة؟ ها نحن مجدداً!”، دون أن يدين الهجوم أو يعبّر عن دعم صريح لوارسو.
لكن في وقت لاحق، كشف الرئيس البولندي، كارول نافروتسكي — الذي زار ترامب في البيت الأبيض الأسبوع الماضي — أنه تحدث معه هاتفيًا، وأكد الطرفان “وحدة التحالف”.
أما السفير الأمريكي لدى الناتو، ماثيو ويتيكر، فكتب على منصة X: “نقف إلى جانب حلفائنا في الناتو في مواجهة هذه الانتهاكات الجوية، وسندافع عن كل شبر من أراضي الناتو”.
كيلوغ و ستوب في كييف
وفي سياق متصل وصل مبعوث ترامب، الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ، إلى كييف بعد ظهر الخميس في زيارة تشمل لقاءات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ويُعد كيلوغ من أبرز المتعاطفين مع أوكرانيا داخل فريق ترامب، لكنه غالبًا ما يُنظر إليه كلاعب ثانوي مقارنةً بستيف ويتكوف الذي التقى بوتين عدة مرات ويُعتقد أنه طوّر علاقة شخصية وثيقة معه.
أيضاً، وصل الرئيس الفنلندي، ألكسندر ستوب، إلى كييف صباح الخميس بالقطار، حيث من المقرر أن يلتقي زيلينسكي. ويتمتع ستوب بعلاقة شخصية جيدة مع ترامب، ويُنظر إليه كحلقة وصل أوروبية رئيسية في محاولة إبقاء واشنطن متمسكة بدعم كييف.