أثار الحكم الصادر بحقّ علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف بـ"علي كوشيب"، ترحيبًا واسعًا من المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتبرته خطوة تاريخية في إدانة الجرائم المرتكبة في دارفور وإحياء مسار العدالة في السودان.
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أمس حكمًا تاريخيًا بإدانة "علي كوشيب"، القائد السابق لميليشيات الجنجويد في السودان. وقد لاقى الحكم ترحيبًا واسعًا من أبرز المنظمات الحقوقية الدولية التي رأت فيه خطوة حاسمة نحو إحقاق العدالة لضحايا دارفور ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت في الإقليم.
قالت "هيومن رايتس ووتش" إن إدانة كوشيب يجب أن تكون حافزًا للحكومات لاتخاذ خطوات فعلية لدعم العدالة ومواجهة الإفلات منها في السودان، معتبرة أن "النزاع الحالي يخلق أجيالًا جديدة من الضحايا ويضاعف معاناة أولئك الذين تعرضوا لانتهاكات في الماضي". ودعت المنظمة السلطات السودانية إلى تسليم المطلوبين فورًا للمحكمة، وتعزيز التعاون الدولي مع آليات العدالة الوطنية والدولية على حد سواء.
أما منظمة العفو الدولية (أمنستي) فوصفت الحكم بأنه تحذير واضح لكل من يواصل ارتكاب انتهاكات في خضم النزاع السوداني. وقال تيغير شاغوتا، المدير الإقليمي للمنظمة في شرق وجنوب أفريقيا، إن هذا الحكم الذي طال انتظاره "يمثّل خطوة مفصلية في مسار العدالة، ويعيد الأمل لضحايا دارفور الذين انتظروا أكثر من عشرين عامًا لمحاسبة أحد أبرز الجناة".
وأضاف أن هذا القرار يجب أن يدفع مجلس الأمن إلى توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل السودان بأكمله، حتى تتمكن من التحقيق في الانتهاكات المستمرة، داعيًا الدول الأعضاء في المحكمة إلى تنفيذ أوامر الاعتقال المعلّقة بحق كبار المسؤولين.
وأشار شاغوتا إلى أن "المحكمة، رغم العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، أظهرت عزمًا واضحًا على المضي في سعيها لتحقيق العدالة"، داعيًا الدول الأعضاء إلى الدفاع عنها في مواجهة أي ضغوط سياسية أو مالية، وإلى الوقوف إلى جانب الضحايا في دارفور وفي كل الملفات التي تنظر فيها المحكمة حاليًا.
خلفية الحكم ومساره القضائي
بدأت محاكمة علي كوشيب في نيسان/أبريل 2022 أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن كان قد سلّم نفسه طوعًا في جمهورية أفريقيا الوسطى في العام 2020، إثر صدور مذكّرة توقيف بحقه.
وجاءت هذه المحاكمة في سياق جهود المحكمة التي كانت قد باشرت تحقيقاتها في جرائم دارفور عقب إحالة مجلس الأمن الدولي الوضع هناك عام 2005. ومنذ ذلك الحين، أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين السودانيين، أبرزهم الرئيس السابق عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.
وفي حكمها الصادر أمس الاثنين، أدانت المحكمة كوشيب بـ27 تهمة تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بين آب/أغسطس 2003 ونيسان/أبريل 2004، على خلفية الهجمات التي استهدفت قرى في غرب دارفور.
وتضمّنت الاتهامات عمليات قتل جماعي، واغتصاب، وتهجير قسري، واضطهاد قائم على أساس عرقي، نفذتها ميليشيات الجنجويد التي كان كوشيب أحد أبرز قادتها الميدانيين. ورأت المحكمة أن الأدلة المقدمة أثبتت تورطه في قيادة الهجمات وتنسيقها وتنفيذها بصورة ممنهجة ضد المدنيين.
صراع مستمرّ في السودان
يتزامن هذا الحكم مع استمرار الصراع الدموي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، الذي أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من عشرة ملايين شخص منذ اندلاعه في نيسان 2023، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وترى المنظمات الحقوقية أن توقيت الحكم يحمل دلالات خاصة، إذ يوجّه رسالة واضحة إلى من يرتكبون اليوم الانتهاكات في السودان بأن العدالة وإن طال انتظارها ستأتي، وأن الإفلات من العقاب لا يدوم طويلًا.
ومع أن الحكم يمثل سابقة قضائية مهمة للمحكمة الجنائية الدولية في ملف دارفور، إلا أنه يطرح في الوقت نفسه تساؤلات حول مدى قدرة العدالة الدولية على المضي في ملاحقة كبار المتورطين، خصوصًا في ظل الانقسامات السياسية داخل السودان وغياب التعاون الرسمي من السلطات الحاكمة.