يُعد تدخل قوات "اليونيفيل" بهذا الشكل حادثًا نادرًا في جنوب لبنان، وقد أثار توترًا مع إسرائيل، في وقت يقدّم فيه الطرفان روايتين متباينتين لما جرى.
أفاد مصدر دبلوماسي لصحيفة "لو فيغارو" أن الكتيبة الفرنسية العاملة ضمن قوات "اليونيفيل" هي التي تولّت إسقاط الطائرة المسيّرة الإسرائيلية في قرية كفركلا الحدودية جنوب لبنان.
وأوضح المصدر أن "اليونيفيل تلقّت أوامر بتطبيق الإجراءات اللازمة لمواجهة سلوك يُعتبر - في أفضل الأحوال - غير مسؤول، وفي أسوأ الأحوال - عدائياً صريحاً".
ولفت إلى أن هذا القرار جاء نتيجة التعرض المتكرر لعناصر اليونيفيل للنيران الإسرائيلية، حيث أُصيب أحد عناصر الكتيبة الإندونيسية سابقاً بشظايا قنبلة أطلقتها طائرة إسرائيلية، كما قُتل جنديان لبنانيان أثناء تدخلهما لمواجهة طائرة مسيرة إسرائيلية في أغسطس الماضي.
أهمية الحدث
يُعد تدخل اليونيفيل بهذا الشكل سابقة في جنوب لبنان، مما أثار توتراً مع الدولة العبرية، غير أن الطرفين يقدّمان روايتين مختلفتين للحادث.
فقد أفادت اليونيفيل أن الطائرة المسيرة اقتربت من دورية تابعة لها وألقت قنبلة، ثم أعقبتها دبابة إسرائيلية أطلقت النار تجاه قوات حفظ السلام. واعتبرت أن عمل الطائرة المسيرة كان عدائياً وينتهك قرار مجلس الأمن رقم 1701 وسيادة لبنان.
في المقابل، نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، هذه الرواية، مؤكداً أن الطائرة المسيرة التي أُسقطت كانت تؤدي مهمة استطلاع روتينية.
وأضاف أدرعي: "أظهرت التحقيقات الأولية أن قوات اليونيفيل القريبة من الموقع أطلقت النار على الطائرة عمداً رغم أنها لم تشكّل أي تهديد لهم".
وتابع: "بعد إسقاط الطائرة، ألقى جنود الجيش الإسرائيلي قنبلة يدوية في المنطقة التي سقطت فيها الطائرة"، مؤكداً أن قواته لم توجّه أي نيران نحو قوات اليونيفيل، وأن الحادث سيتم التحقيق فيه عبر قنوات الربط العسكرية.
إدانة فرنسية رسمية
في رد فعل على هذه التصعيد، اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية رسمياً أن ما حصل استهداف لقوات اليونيفيل، وأصدرت بياناً دانت فيه "النيران الإسرائيلية التي استهدفت كتيبة من اليونيفيل في 26 أكتوبر 2025"، مشيرة إلى أن هذه الحوادث تأتي بعد سلسلة من الاستهدافات السابقة.
"اليونيفيل" قلقة منذ مدة
رغم أهمية الحدث، إلا أن التوتر بين إسرائيل وقوات حفظ السلام ليس جديدًا، ففي وقت سابق أعرب المتحدث باسم اليونيفيل، أندريا تيننتي، في مقابلة مع "يورنيوز" عن قلق بالغ حيال التطورات الميدانية، محذرًا من مخاطر انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة.
وقال تيننتي إن ما يحدث حاليًا في جنوب لبنان "يثير القلق الشديد"، مشيرًا إلى أن البعثة تراقب منذ أشهر تصاعدًا متواصلًا في التوتر، يتمثل في انتهاكات يومية من الجانب الإسرائيلي.
ورأى أن إعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان تتطلب التزامًا فعلياً من جميع الأطراف، وقال: "نلمس التزامًا من الجيش اللبناني، كما نلاحظ استعدادًا واضحًا من الحكومة اللبنانية الجديدة لإعادة الاستقرار. لكن هذا وحده لا يكفي، فنحن بحاجة إلى التزام فعلي من جميع الأطراف لتحقيق ذلك."
ولفت تيننتي إلى أن الأوضاع في الجنوب لم تشهد هدوءًا فعليًا حتى بعد بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، موضحًا أن المنطقة تشهد "انتهاكات يومية للقرار 1701"، تشمل تدمير مناطق جنوبية، وغارات جوية، واستخدامًا مكثفًا للطائرات المسيّرة، وهو ما يُعرّض الهدنة الهشة للخطر.
اليونيفيل في جنوب لبنان ودور فرنسا في تمديد ولايتها
تتواجد قوات اليونيفيل في جنوب لبنان منذ عام 1978 بموجب قراري مجلس الأمن 425 و426، وتم تعزيز وجودها بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 بموجب القرار 1701 لدعم عمليات الجيش اللبناني، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية، واستعادة الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي.
ويُجدد تفويض اليونيفيل سنويًا من قبل مجلس الأمن، إلا أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في سبتمبر 2024 أثارت ضغوطًا أمريكية وإسرائيلية لإنهاء مهام القوات بشكل نهائي.
لكن فرنسا واصلت تحركاتها الدبلوماسية لحشد الدعم الدولي لتمديد ولاية اليونيفيل ولمرة أخيرة حتى أغسطس 2026، ضمن خطة تمهّد لانسحاب تدريجي للقوات، وقد نجح هذا المشروع في النهاية.
دور فرنسا في اللجنة الخماسية وطلبات عون
في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقعت تل أبيب على هدنة مع لبنان بناء على القرار 1701، وكلفت لجنة خماسية بمتابعة الاتفاق، كانت فرنسا جزءًا منها، حيث أوكلت آلية الإشراف على اللجنة الخماسية إلى العميد غيوم بونشان، الذي لديه مهام بالتعاون الوثيق والتسيق مع القوات المسلّحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
وفي وقت سابق، أفادت وكالة الأنباء اللبنانية أن الرئيس اللبناني جوزاف عون طلب من بونشان والوفد الذي رافقه خلال لقاء في شباط/ فبراير "دعم بلاده موقف لبنان الداعي الى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة، والضغط عليها لوقف انتهاكاتها لاتفاق 27 تشرين الثاني 2024 لا سيما لجهة استمرارها في تدمير المباني ودور العبادة في القرى الجنوبية الموازية للحدود".
كما طلب من "الجانب الفرنسي الضغط لتنفيذ الاتفاق بإطلاق الأسرى اللبنانيين ضمن المهلة المحددة في 18 شباط الحالي" لكن الجانب الإسرائيلي أبقى على تواجده في الجنوب.
مؤتمر إعادة الإعمار في فرنسا والضغوط الأمريكية لتأجيله
وتأتي هذه التطورات ضمن سياق أكثر تعقيدًا، حيث أفادت وسائل إعلام لبنانية أن فرنسا تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة منذ أن أعلنت عن نيتها لعقد مؤتمرين لدعم الجيش وإعادة الإعمار في لبنان، حيث يفضل البيت الأبيض التركيز حالياً على ملف نزع سلاح حزب الله.
وذكرت المصادر أن السعودية ليست متحمسة أيضاً للمؤتمر وتفضل تأجيل هذه الخطوة إلى العام المقبل.
في غضون ذلك، تستعد بيروت لاستقبال السفير الأميركي الجديد، اللبناني الأصل ميشال عيسى خلفاً للسفيرة ليزا جونسون، ووسط ضغوط كبيرة تتعرض لها بيروت للدفع قدمًا في حصر السلاح بيد الدولة.