تأتي هذه الحملات ضمن تحول استراتيجي في الدبلوماسية العامة الإسرائيلية، التي لم تعد تعتمد فقط على الإعلام التقليدي، بل توسعت لتشمل الذكاء الاصطناعي والمؤثرين الرقميين.
في خطوة تعكس قلقها من تراجع التأييد الشعبي، أطلقت الحكومة الإسرائيلية سلسلة من الحملات الدعائية في الولايات المتحدة، بهدف تعزيز صورتها لدى الرأي العام الأميركي بعد حربها الطويلة في قطاع غزة.
صحيفة هآرتس أكدت أن هذه الحملات، التي بلغت قيمتها ملايين الدولارات، تستخدم أدوات رقمية متطورة تشمل روبوتات الدردشة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، لتوسيع نطاق التأثير خارج وسائل الإعلام التقليدية.
خبراء من عالم السياسة الأميركية في قلب الحملة
وبحسب الصحيفة العبرية من بين الجهات التي وظفتها إسرائيل إضافة إلى خبراء التسويق، سياسيون بارزون، بينهم مدير سابق لحملات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وشركات مقربة من الحزب الجمهوري والجماعات الإنجيلية.
هذا التحرك يعكس رغبة إسرائيل في استعادة ثقة الجمهور الذي كان يُعد مؤيدًا تقليديًا لها، لكنه بدأ يظهر تراجعًا في دعمه، خصوصًا بين الشباب الأميركي.
"دعاية" جديدة: الذكاء الاصطناعي والمحتوى الرقمي
تأتي هذه الحملات ضمن تحول استراتيجي في الدبلوماسية العامة الإسرائيلية، التي لم تعد تعتمد فقط على الإعلام التقليدي، بل توسعت لتشمل الذكاء الاصطناعي والمؤثرين الرقميين.
وقالت الصحيفة إن عقود رسمية تم تسجيلها لدى وزارة العدل الأميركية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، توضح أن وزارتي الخارجية والسياحة ووكالة الإعلان الحكومية في إسرائيل تعاقدت مع شركات أميركية لترويج مصالح الدولة.
وأحد أبرز هذه العقود كان مع شركة Clock Tower X، التي يمتلكها براد بارسكال، المسؤول عن الحملات الرقمية لترامب في انتخابات 2016 و2020.
العقد، الذي بلغت قيمته 6 ملايين دولار لأربعة أشهر، ينص على تقديم خدمات استشارات إستراتيجية وتخطيط واتصالات لتطوير وتنفيذ حملة واسعة النطاق بأميركا لمكافحة معاداة السامية، بحسب الصحيفة.
كما يشمل إنتاج أكثر من 100 مادة أساسية شهريًا (فيديوهات، بودكاست، نصوص، رسومات)، بالإضافة إلى 5 آلاف مادة مشتقة، بهدف الوصول إلى 50 مليون مشاهدة شهريًا، مع تركيز 80% من المحتوى على الشباب الأميركي عبر منصات تيك توك وإنستغرام ويوتيوب.
استهداف الجمهور المسيحي والإنجيلي
وفقاً لهآرتس فإن اللافت في الحملات الجديدة هو التركيز على الجماهير المسيحية، ولا سيما الإنجيليين، الذين كانوا تاريخيًا من أبرز المؤيدين لإسرائيل.
إلا أن استطلاعات مركز بيو بين 2022 و2025 أظهرت تراجع الدعم بشكل ملحوظ، حتى بين المحافظين أثناء حرب غزة: إذ ارتفعت نسبة الأميركيين ذوي النظرة السلبية تجاه إسرائيل من 42% عام 2022 إلى 53% عام 2025، فيما أصبح نصف الجمهوريين الشباب يحملون نظرة سلبية تجاه الدولة العبرية.
حملات موجهة للكنائس والمنظمات المسيحية
تعمل حملة أخرى بتكليف من وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر شركة Show Faith By Works، المملوكة للمستشار الجمهوري تشاد شنيتغر، وهو ناشط إنجيلي مرتبط باليمين المسيحي على استهداف الكنائس والمنظمات المسيحية في غرب الولايات المتحدة.
وبحسب الصحيفة تتجاوز ميزانية هذه الحملة 3 ملايين دولار، مع التركيز على مواجهة تراجع التأييد بين الإنجيليين.
استثمار الذكاء الاصطناعي لتشكيل الخطاب
جزء كبير من الحملات يركز على التأثير على أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل "تشات جي بي تي" و"كلاود"، بهدف صياغة نتائج البحث والمحادثات الذكية بطريقة تعكس موقفًا إيجابيًا لإسرائيل.
وقد تكون هذه المرة الأولى التي توثّق فيها دولة محاولتها التأثير على آليات الذكاء الاصطناعي لتشكيل الرأي العام.
ووفقاً لهآرتس على الرغم من التركيز على التقنيات الحديثة، لم تتخلّ إسرائيل عن الإعلانات الرقمية التقليدية،حيث كشفت وثائق رسمية عن إنفاق أكثر من 45 مليون دولار خلال النصف الثاني من 2025 على إعلانات عبر غوغل، يوتيوب، وإكس لتعزيز حضورها الإعلامي.