اتّخذ التصعيد الإسرائيلي في لبنان اليوم مساراً أكثر خطورة، مع انتقاله إلى عمق العاصمة اللبنانية، وتنفيذ غارة أدّت إلى مقتل القيادي البارز في حزب الله هيثم الطبطبائي.
أعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة في وزارة الصحة اللبنانية أنّ الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت بعد ظهر اليوم أسفرت، وفق الحصيلة النهائية، عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة ثمانية وعشرين آخرين بجروح.
وقد استهدفت الغارة شقة سكنية في منطقة حارة حريك، بالضاحية الجنوبية للعاصمة، ما أدى إلى أضرار كبيرة في المبنى المستهدف ومحيطه.
عقب الضربة، باشرت فرق الإسعاف عملها لرفع الأنقاض وإخلاء المصابين وسط استنفار أمني في محيط الموقع. وقد انتشرت مقاطع مصورة تُظهر حجم الدمار الذي طال محيط المكان المُستهدف.
وفرض الجيش اللبناني طوقًا أمنيًا واسعًا حول المبنى المستهدف ، حيث انتشرت وحداته في محيط الموقع لمنع اقتراب المواطنين وتأمين عمل فرق الإنقاذ.
وشهدت المنطقة إطلاق عيارات نارية كثيفة بهدف إبعاد المواطنين عن مسرح الضربة، حرصًا على سلامتهم وتسهيلًا لحركة سيارات الإسعاف التي عملت على إخلاء الجرحى وفتح الممرات اللازمة لعمليات الطوارئ.
وقد أفيد بأنّ الغارة سبقتها حركة تحليق مكثّف للطائرات الإسرائيلية في سماء بيروت. وبعد الهجوم، تواصلت حركة طائرات الاستطلاع على علو منخفض فوق العاصمة.
من هو المستهدف؟
أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنّه نفّذ اليوم عملية جوية في بيروت بتوجيه من مديرية المخابرات، أسفرت عن اغتيال هيثم علي الطبطبائي، الذي يشغل منصب القائم بأعمال رئيس أركان حزب الله.
وقال الجيش الإسرائيلي إنّ الطبطبائي يُعدّ من أبرز كوادر الحزب المخضرمين، إذ التحق بصفوفه في ثمانينيات القرن الماضي وتولّى منذ ذلك الحين مناصب قيادية عدّة، من بينها قيادة وحدة "قوة الرضوان" وإدارة العمليات في سوريا.
وأضاف البيان أنّ الطبطبائي لعب دورًا محوريًا في تعزيز حضور حزب الله في الساحة السورية خلال سنوات الحرب.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنّ بلاده "لن تسمح لحزب الله بأن يشكّل تهديدًا لإسرائيل مرة أخرى"، مشيرًا إلى أنّه يتوقّع من الحكومة اللبنانية "تنفيذ التزاماتها" في هذا الإطار.
وأضاف أنّ على السلطات اللبنانية العمل على "نزع سلاح حزب الله"، مؤكّدًا أنّ إسرائيل "قضت على هيثم الطبطبائي، القائد الكبير في حزب الله"، في الغارة التي نُفّذت اليوم.
وعقب الغارة، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنّ العملية استهدفت أبو علي الطبطبائي، الذي تصفه بأنه الشخصية الثانية في "حزب الله".
وأفاد ديوان نتنياهو بأنّ الجيش نفّذ الهجوم في قلب بيروت مستهدفًا رئيس أركان "حزب الله"، والمسؤول عن دفع مسار تعاظم قدرات الحزب. وأضاف الديوان أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعطى أمر التنفيذ بناءً على توصية وزير الدفاع ورئيس الأركان.
وقال مكتب نتنياهو إن أبو علي الطبطبائي تولّى قيادة عملية تعزيز القوة والتسلّح داخل "حزب الله".
ووفق القناة 12 العبرية، فقد حاولت إسرائيل استهداف أبو علي الطبطبائي مرتين خلال الحرب، فيما تشكل الضربة الأخيرة المحاولة الثالثة لتصفيته.
وذكرت قناة 14 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع صادقا على تنفيذ الهجوم. وفي السياق نفسه، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنه "لا تغيير حتى الآن في تعليمات الجبهة الداخلية في شمال إسرائيل عقب عملية الاغتيال".
هل كانت واشنطن على علم مسبق بالضربة؟
نقلت "هيئة البث العبرية" عن مصدر سياسي أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة مسبقًا بنيّتها تنفيذ الهجوم على الضاحية الجنوبية في بيروت.
في المقابل، كشف موقع "أكسيوس" أنّ مسؤولًا أمريكيًا رفيع المستوى قال إن إسرائيل لم تُبلغ الولايات المتحدة مسبقًا بالهجوم على الضاحية الجنوبية، بل أخطرتها فور تنفيذ الضربة فقط.
وأوضح المسؤول أنّ واشنطن كانت على علم منذ أيام بأن إسرائيل تخطط لخطوة تصعيدية في لبنان، لكنها لم تكن تعلم بتوقيت العملية أو مكانها.
وفي السياق ذاته، أفادت القناة 13 الإسرائيلية بأن البيت الأبيض لم يعد يعارض تنفيذ هجوم في بيروت، في ظل ما تصفه تل أبيب بتعاظم قوة "حزب الله" وعجز الحكومة اللبنانية عن كبح نفوذه.
بيان لحزب الله
أصدر حزب الله بيانًا نعى فيه الطبطبائي، من دون التطرّق إلى أي تفاصيل تتعلّق بموقف الحزب بعد الغارة. وجاء في البيان أنّ "الحزب يزفّ بكل فخر واعتزاز القائد الجهادي الكبير هيثم علي الطبطبائي، المعروف بـ"السيد أبو علي"، الذي قُتل في الغارة الإسرائيلية على منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت".
وأشار البيان إلى أنّ الطبطبائي "التحق بإخوانه الشهداء بعد انتظار طويل للقاء الله"، بعد مسيرة وصفها الحزب بأنّها "حافلة بالجهاد والصدق والإخلاص"، مشيرًا إلى أنّه "بقي ثابتًا على طريق المقاومة حتى اللحظة الأخيرة من حياته".
وأضاف أنّ الراحل كان من القادة الذين شاركوا في "وضع المداميك الأساسية" للمقاومة منذ انطلاقتها، وساهم في ترسيخ حضورها وقدرتها على الدفاع عن لبنان وصناعة "الانتصارات"، وفق تعبير البيان.
موقف لبنان الرسمي
صدر عن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، عبر منصة إكس، أنّ استهداف إسرائيل للضاحية الجنوبية من بيروت بعد ظهر اليوم، وفي ذكرى الاستقلال تحديدًا، يشكّل "دليلًا إضافيًا" على أنّ إسرائيل لا تكترث للدعوات المتكرّرة لوقف اعتداءاتها على لبنان، وترفض تطبيق القرارات الدولية وسائر المبادرات الرامية إلى تهدئة التصعيد وإعادة الاستقرار إلى لبنان والمنطقة.
وأكد أنّ لبنان، الذي التزم وقف الأعمال العدائية منذ نحو عام وقدّم أكثر من مبادرة للحفاظ على الهدوء، يجدد دعوته للمجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته والتدخل "بقوة وجدية" لوقف الاعتداءات على لبنان وشعبه، تجنّبًا لأي تدهور قد يعيد التوتر إلى المنطقة وحقنًا لمزيد من الدماء.
وفي موقف موازٍ على إكس، شدّد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام على أنّ الاعتداء على الضاحية الجنوبية يستوجب "توحيد كل الجهود خلف الدولة ومؤسساتها"، مؤكدًا أنّ حماية اللبنانيين ومنع انزلاق البلاد إلى مسارات خطرة يشكّلان أولوية الحكومة في هذه المرحلة الحساسة.
وأشار إلى أنّ الحكومة ستواصل العمل بالوسائل السياسية والدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة لوقف اعتداءات إسرائيل وضمان انسحابها من الأراضي اللبنانية وعودة الأسرى. وأضاف أنّ التجارب أثبتت أن ترسيخ الاستقرار يمرّ عبر التطبيق الكامل للقرار 1701 وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وتمكين الجيش اللبناني من القيام بمهامه.