كشفت دراسة جديدة أن دواء فيناسترايد (Finasteride)، المستخدم لعلاج تساقط الشعر وتضخم البروستاتا الحميد، قد يؤثر على الحالة المزاجية للرجال الذين يتناولونه، وقد يصل الأمر إلى آثار جانبية خطيرة تشمل القلق أو الاكتئاب أو حتى الانتحار.
يعمل الدواء لعلاج تساقط الشعر من خلال تثبيط تحويل هرمون التستوستيرون إلى ديهيدروتستوستيرون (DHT)، لكنه أيضًا يعيق إنتاج بعض الهرمونات العصبية المرتبطة بتنظيم المزاج، مثل الألوبريغنانولون.
وقد أظهرت دراسات على الحيوانات أنه قد يسبب التهابات طويلة الأمد في الدماغ وتغيرات بنيوية في منطقة الحُصين، المسؤولة عن التعلم والذاكرة والعاطفة.
وحتى بعد التوقف عن تناوله، تبين أن آثاره النفسية تستمر لأشهر أو سنوات، فيما يُعرف باسم متلازمة ما بعد فيناسترايد (Post-Finasteride Syndrome).
الشركات تتجاهل آثاره
الدراسة، التي نُشرت في مجلة الطب النفسي السريري (Journal of Clinical Psychiatry)، أكدت أن العديد من الأدوية الصيدلانية تأتي مع قائمة طويلة من المخاطر المحتملة، لكن تحديد مدى احتمال حدوث الآثار الجانبية وخطورتها مقارنة بالفوائد العلاجية هو ما يحدد إمكانية وصف الدواء للمرضى.
وأوضح مؤلفها، الطبيب مايير بريزيس، أستاذ الطب وأخصائي أمراض الكلى المتقاعد من المركز الطبي لجامعة هداسا العبرية في إسرائيل، أن الدواء المذكور يُعطى للرجال منذ أوائل التسعينيات، وأنه رغم تراكم الأدلة التي تربطه باضطرابات نفسية، تجاهلت الشركات المصنّعة والهيئات الطبية والرقابية هذه النتائج، مما أضرّ بالصحة العامة، وفقًا للطبيب.
ليست حوادث فردية
تستعرض دراسة بريزيس ثماني أبحاث نُشرت بين 2017 و2023، وتشملت بيانات من عدة دول وأنظمة معلومات مختلفة. وتشير نتائجها إلى أن مستخدمي دواء فيناسترايد يواجهون خطرًا أعلى بكثير للإصابة باضطرابات المزاج والأفكار الانتحارية مقارنةً بغير المستخدمين.
وقد حذر بريزيس من خطورة النتائج، قائلاً: "الأدلة لم تعد مجرد حوادث فردية. نحن نرى الآن أنماطًا متكررة من أكثر من فئة سكانية، والعواقب ربما كانت مأساوية".
وكشفت الدراسة أن أحد مستخدمي الدواء قد انتحر سابقًا، وأن وثائق داخلية من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أوصت عام 2010 بإضافة تحذير حول "الأفكار أو السلوك الانتحاري" على الملصق، إلا أن القيمين رفضوا ذلك دون كشف التفاصيل.
الشفافية ضرورية
في عام 2011، أدرجت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) الاكتئاب كأحد الآثار الجانبية المحتملة للدواء، وأضافت لاحقًا عام 2022 تحذيرًا بشأن الميل إلى الانتحار، رغم أن الباحثين أثاروا هذه المخاوف منذ عام 2002.
وحتى عام 2011، سجلت إدارة الغذاء والدواء 18 حالة انتحار مرتبطة بالدواء، لكن الدراسة الجديدة تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يصل إلى آلاف الحالات على مستوى العالم، ويعزو بريزيس ذلك إلى "فشل منهجي في مراقبة سلامة الأدوية" وليس فقط ضعف الإبلاغ.
وعن ذلك يقول بريزيس: "الشفافية ضرورية عند التعامل مع التناقضات الجوهرية بين الابتكار والسلامة، والتقدم والصحة العامة".
كما يتهم الأخير الشركة المصنعة الأصلية ميرك (Merck) بالتقاعس عن إجراء أبحاث سلامة بسيطة باستخدام قواعد البيانات، وينتقد الجهات الرقابية لعدم مطالبة الشركة بإجراء تلك الأبحاث أو القيام بها بنفسها. ويرى بريزيس أن تضارب المصالح المالية غالبًا ما يطغى على اعتبارات السلامة الدوائية، وهو ما يعتقد أنه حدث في حالة فيناسترايد.
وبختتم حديثه قائلاً إن الأدوية مثل فيناسترايد ينبغي ألا تُعتمد إلا بعد إثبات سلامتها بشكل واضح، وأنه حتى بعد الموافقة على الدواء يجب فرض أبحاث متابعة إلزامية لضمان استمرار السلامة. ويكتب في آخر دراسته: "على الجهات التنظيمية أن تطلب من الشركات المصنعة الالتزام بإجراء ونشر الدراسات التحليلية بعد الموافقة على الدواء، وأن تُفرض هذه المتطلبات بصرامة".
دواء مصنف كمنتج تجميلي
وكانت شركة ميرك قد أكدت في مقابلة مع وكالة "رويترز" أن "الأدلة العلمية لا تدعم وجود علاقة سببية بين بروبيشيا (الاسم التجاري لفيناسترايد) والانتحار أو الأفكار الانتحارية، لذا لا ينبغي تضمين هذه المصطلحات في التحذيرات".
ويشير مراقبون إلى أن الشركة أو أي جهة رقابية لم تُجْرِ دراسات حديثة على الدواء، ربما لأن منصفه كمنتج تجميلي.