يعاني نحو 3.3% من سكان العالم من تليّف كبدي متقدّم، وهي حالة تنشأ نتيجة تراكم نسيج ندبي على الكبد بسبب إصابات مزمنة.
توصلت دراسة نُشرت في مجلة "Biomedicine & Pharmacotherapy" إلى أن صبغة الحناء قد تشكل نقلة نوعية في علاج تليف الكبد، حيث قد تمهد الطريق لتطوير أول دواء قادر ليس فقط على السيطرة على المرض وإيقاف تقدمه، بل حتى تحسين حالة الخلايا.
لطالما ارتبطت الحناء عبر آلاف السنين بصبغ الشعر والزينة في مختلف الحضارات. إذ تكشف متاحف التاريخ الطبيعي في لندن أن المصريين القدماء كانوا يستخدمون الحناء في طقوس التحنيط، وقد وُجدت بعض المومياوات التي ما زال شعرها مصبوغًا بهذه المادة الطبيعية.
إلى جانب ذلك، شاع استخدام الحناء لدى المغول، كما كانت جزءًا من ممارسات الطب التقليدي. إلا أن الاكتشاف المفاجئ وغير المتوقع هو الدور العلاجي الواعد الذي قد تلعبه الحناء في مواجهة تليف الكبد.
ما هو تليف الكبد؟
يعاني نحو 3.3% من الناس حول العالم من تليف متقدم في الكبد، وهي حالة تحدث عندما يتراكم نسيج عليه ندوب نتيجة إصابة مزمنة.
ويعد التليف مرحلة متأخرة من أمراض الكبد المزمنة، وعادةً يتطور ببطء بعد سنوات من الضرر الناتج عن العدوى، أو الحالات المناعية الذاتية، أو استهلاك الكحول. وإذا تُرك دون علاج، فقد يتطور إلى مضاعفات خطيرة تشمل سرطان الكبد أو مشاكل تهدد الحياة.
طرق العلاج الحالية
تركز الطرق العلاجية الحالية لتليف الكبد بشكل رئيسي على إبطاء تقدم المرض ومنع تطوره إلى مراحل متقدمة، وذلك من خلال التوقف عن تناول المواد الضارة بالكبد مثل الكحول، وعلاج الأسباب الكامنة للمرض، كالعدوى الفيروسية بالتهاب الكبد.
إلا أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، لا تستهدف الآلية الجزيئية والخلوية المسؤولة مباشرة عن تكوين النسيج الليفي في الكبد.
منهجية الدراسة والنتائج
في هذا الإطار، تقدم الدراسة المنشورة نهجًا علاجيًا واعدًا يتجه إلى جذور المشكلة. حيث قام الفريق البحثي بفحص تأثير أكثر من 1800 مركب كيميائي على الخلايا النجمية الكبدية (HSCs)، وهي النوع الرئيسي من الخلايا المسؤولة عن تكوين النسيج الندبي عند تنشيطها.
وكانت النتيجة مبهرة؛ فقد تفوّق مستخلص الحناء على جميع المركبات المُختبرة، حيث أظهر قدرة مزدوجة ومتميزة:
- تثبيط النشاط التليفي: فقد خفضت المعالجة بالحناء مستويات المؤشرات الحيوية الدالة على التليف بشكل ملحوظ.
- إعادة البرمجة إلى الحالة السليمة: لم يقتصر الأمر على كبح جماح هذه الخلايا، بل لوحظ أنها قد تعود إلى وضعها الطبيعي والصحي، مما يفتح الباب أمام إمكانية عكس التليف وليس فقط إيقافه.
الرؤية المستقبلية والتطبيق السريري
لتعظيم هذه الفائدة، يعمل الفريق على تطوير نظام ذكي لتوصيل الدواء يستهدف الخلايا النجمية الكبدية النشطة تحديدًا، لضمان وصول المادة الفعالة بكفاءة عالية وتقليل الآثار الجانبية.
وفي هذا الصدد، يوضح البروفيسور تسوتومو ماتسوبارا، المؤلف الرئيسي للدراسة: "نحن نعمل حاليًا على تطوير نظام توصيل دوائي قادر على إيصال الأدوية إلى خلايا HSC النشطة بشكل انتقائي، ونأمل أن يصبح هذا العلاج متاحًا يومًا ما للمرضى. من خلال التحكم في نشاط هذه الخلايا، يمكننا ليس فقط الحد من التليف، بل عكسه بشكل فعلي".