قلعة بينيش البرتغالية.. حكايةُ سجن تحوَّل إلى متحف وظُلم تصدّى له قرنفل

قلعة بينيش البرتغالية.. حكايةُ سجن تحوَّل إلى متحف وظُلم تصدّى له قرنفل
بقلم:  Hassan Refaei
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
نسخ/لصق رابط فيديو المقال أدناهCopy to clipboardCopied

المؤرخ فرناندو روساس، الذي كانت له تجربة مع سجن بينيش في العام 1972 على خلفية ما يسمى بـ"الأنشطة المناهضة لأمن الدولة"، يقول: إن من الأهمية بمكان أن نتصدى لتراخي الذاكرة أو التلاعب بمحتواها، ذلك أن الذاكرة وسيلة رئيسة لكي نتمسك أكثر بالديمقراطية وندافع عنها بكل قوة.

اعلان

تحتضنُ شواطئُ مدينة بينيش البرتغالية قلعةً أثرية شُيِّدتْ في القرن السابع عشر، هذه القلعة التي لطالما أنهضت أطرافُها أمواجَ المحيط الأطلسي الذي ما انفكّ يلقي بزبده على جدرانها السميكة التي توارت خلفَها عقودٌ من الزمن اختلجَ فيها الألمُ مع البكاء والعذابُ مع الأنين والأملُ مع المحال، إنها وباختصار قصة سجن وسجناء، وقد أصبح الآن متحفاً وزوّار.

قلعة بينيش التي تبعد حوالي 85 كيلومتراً شمال العاصمة ليشبونة، اتخذها النظام الدكتاتوري الذي حكم البلاد لأربعة عقود، اتخذها سجناً زجّ فيها المعارضين السياسيين حيث تعرضوا لشتى أنواع الاضطهاد والتعذيب على أيدي زبانية حكومة أنطونيو سالازار القومية، التي وإن وفّرت الاستقرار ودعّمت أركانَ الدولة التي بدورها أحكمت قبضتها على الحدود، إلا أنها، أي تلك الحكومة، سحقت المعارضة بوحشية وعنف، وألقت خلفها ظهرها مبادئ حقوق الإنسان وركائز الديمقراطية وفرضت في السياق رقابةً صارمة على وسال الإعلام.

في ربيع العام 1974، نزل مئات الضباط في الجيش البرتغالي إلى شوارع لشبونة وسيطروا على المرافق الحيوية، إضافة إلى الإذاعة والتلفزيون، وألقوا القبض على رئيس الحكومة، وقاموا بنفيه إلى جزيرة ماديرا.

وما أن سمع أبناء الشعب بالإنقلاب حتى خرجوا إلى الشوارع معلنين تأييدهم ودعمهم لهذه العملية التي أنهت عقوداً من الديكتاتورية المقيتة لتتنشَّق البرتغال بعدها نسائم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

المؤرخ فرناندو روساس، الذي كانت له تجربة مع سجن بينيش في العام 1972 على خلفية ما يسمى بـ"الأنشطة المناهضة لأمن الدولة"، يقول: إن من الأهمية بمكان أن نتصدى لتراخي الذاكرة أو التلاعب بمحتواها، ذلك أن الذاكرة وسيلة رئيسة لكي نتمسك أكثر بالديمقراطية وندافع عنها بكل قوة.

ويضيف: إن المجتمع الذي يفقد ذاكرته هو مجتمع ضعيف، ومن السهل معه أن تستعيد الآفات السياسية والاجتماعية مثل الفاشية واليمين المتطرف حضورها في المشهد العام للبلاد، وهذا تهديد حقيقي، فالدفاع عن الديمقراطية يستوجب الدفاع عن الذاكرة التي تختزن تفاصيل ما أنتجته الديكتاتورية، وفي الوقت ذاته  إن الذاكرة أيضاً تختزن المقاومةَ المناهضة للفاشية والديكتاتورية والمطالبة بإرساء دعائم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ومن المقرر افتتاح المتحف (قلعة بينيش) الذي يحمل اسم المتحف الوطني للمقاومة والحرية، يوم غدٍ السبت، أي بعد مرور 45 عامًا على إغلاق السجن، في أعقاب ثورة القرنفل 1974، وقد أُطلق عليها هذه التسمية لأنها تزامنت مع موسم الربيع وتفتح الأزهار في البرتغال، حيث قام أفراد الشعب بتقديم زهور القرنفل للجنود الذين وضعوا بلادهم على سكّة الديمقراطية أسوة بباقي دول أوروبا الغربية.

وبالعودة إلى قلعة بينيش، كان هناك مخطط قبل عامين لتحويل جزء منها إلى فندق، الأمر الذي أثار غضب سكّان البلدة، ذلك أنهم تمسّكوا بموقفهم المطالب بأن تكون هذه القلعة مركزاً وطنياً يهدف إلى تجسيد تاريخ البلاد أمام الزوّار والسياح من خلال الصور والوثائق ومن خلال القلعة بحد ذاتها، علماً أن ثمة سجون تحوّلت إلى متاحف في لشبونة وأبونتو وفي غيرها من المناطق البرتغالية.

وزير الثقافة البرتغالي غراسا فونسيكا وفي معرض تعليقه على تحويل هذه القلعة ـ السجن إلى متحف، يقول: إنه يمكن للزوار تجربة الزنازين الضيقة في السجن، ويضيف: "نريد أن يكون لدينا مكان يعرض على الزوّار أكثر من الصور والمستندات والتسجلات فيما يتعلق بتاريخ البلاد"، في إشارة منه إلى أن القلعة ـ السجن بما تحتويه من زنازين وغرف تعذيب تعد حاضرة أثرية هامة.

ويقول مستطرداً: "سيتاح للزوّار أن يشعروا بما كان يعاني منه نزلاء هذا السجن، خاصة في هذه الأمكنة الضيقة (الزنازين) التي كان يقضي فيها السجين السياسي مدة شهر بدون اتصال مع أحد".

المواطن البرتغالي دومينغوس أبرانتيس (83 عاماً)، شيوعيٌ قضى تسع سنوات من حياته داخل هذا السجن حيث تعرَّض لشتى صنوف التعذيب والاضطهاد.

يقول أبرانتيس: "لقد عشت هنا زمناً تجسد فيه معنى تمجيد الكرامة الإنسانية، وكنت داخل السجن شاهداً على حياة اجتماعية بين أشخاص (السجناء) التفوا حول هدفٍ سام، فكان بينهم النبلُ عرفاً والإيثار قانوناً والوفاء شريعة.

ويأمل أبرانتيس أن يؤدي هذا المتحف وظيفته في حماية الذاكرة من النسيان، ويقول: "على الشباب أن يدرك شيئًا مهما وهو أن نظاماً فاشياً ظهر في هذه البلاد، ويمكن أن يعود من جديد، هذه هي المشكلة، فالفاشية لم تمت"، وفق تعبيره.

ولضمان عدم نسيان معاناة السجناء كما هو حال الشيوعي أبرانتيس والمؤرخ روزاس، أُقيمَ نصب تذكاري في المكان كُتب عليه أسماء 2510 شخصًا مروا عبر بوابات السجن في زمن النظام الدكتاتوري.

والجدير بالذكر أن يوم أمس الخميس تمّ افتتاح المتحف رسمياً من قبل رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، بمناسبة الذكرى الـ45 لثورة القرنفل.

للمزيد في "يورونيوز":

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

هل تكون قلعة غويديلون الفرنسية مفتاح نجاح إعادة بناء كنيسة نوتردام؟

البرتغاليون يحتجون على احتلال السياح لمدنهم وبيوتهم

البرتغال رائدة السياحة العالمية لعام 2017