فتحت السلطات الإيطالية في نوفمبر الجاري تحقيقًا موسعًا بشأن مزاعم تفيد بأن مواطنين أوروبيين، بينهم إيطاليون، دفعوا مبالغ كبيرة للمشاركة في عمليات قنص استهدفت مدنيين خلال حرب البوسنة. وأُعيد فتح هذا الملف بعد ظهور شهادات جديدة كشفت تفاصيل إضافية، فماذا نعرف عن القضية؟
تشير المزاعم إلى أن مجموعات من الإيطاليين وجنسيات غربية أخرى، وُصفوا بـ"سياح القنص"، دفعوا مبالغ مالية كبيرة وصلت إلى 100 ألف يورو لجنود تابعين لجيش رادوفان كاراديتش، زعيم صرب البوسنة السابق المُدان عام 2016 بجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، من أجل نقلهم إلى التلال المطلة على سراييفو لإطلاق النار على السكان الأبرياء، بينهم أطفال، بدافع "المتعة".
سهّل الموقع الجغرافي للمدينة، الواقعة في حوض تحيط به الجبال، عملية الحصار واستهداف المدنيين. ويقدّر مركز البحث والتوثيق في سراييفو عدد قتلى القنص خلال تلك الفترة بين 300 و350 شخصًا.
داخل هذه القضية التي تشكل واحدة من أبشع جرائم التسعينيات، تتداخل روايات الشهود مع الأدلة والشكاوى الرسمية، بينما يقود المدّعي العام في ميلانو، أليساندرو غوبي، تحقيقًا يسعى إلى تحديد هوية المتورطين بتهمة القتل العمد.
وقد انطلق التحقيق الإيطالي من شكوى قانونية قدّمها الكاتب المقيم في ميلانو إتسيو غافاتسيني، الذي جمع أدلة حول هذه المزاعم، بالإضافة إلى تقرير أرسلته للنيابة رئيسة بلدية سراييفو السابقة بنجامينا كارتيتش.
شهادات من الفيلم الوثائقي
يقول غافاتسيني إن أول ما دفعه لإعادة فتح الملف هو مشاهدته فيلم "سراييفو سفاري"، الوثائقي الذي صدر عام 2022 للمخرج السلوفيني ميران زوبانيتش. ففي الفيلم، يتحدث الضابط البوسني إدين سوباشيتش عن أجانب دفعوا لإطلاق النار على المدنيين من التلال، ويروي كيف استجوب مقاتلًا صربيًا أسيرًا عام 1993 أكد وجود "سياح القنص".
كذلك، يقدّم الوثائقي شهادة تُشير إلى أن مجموعات من الغربيين شاركوا شخصيًا في إطلاق النار على المدنيين. وقد نفت جمعيات قدامى المحاربين الصرب هذه الادعاءات بشدة.
ويقول غافاتسيني: "كان فيلم سراييفو سفاري نقطة البداية. بدأت بمراسلة المخرج ومن ثم توسعت في التحقيق حتى جمعت ما يكفي من المواد لتقديمها إلى النيابة في ميلانو".
الدوافع والمتورطون المحتملون
يدّعي غافاتسيني أنه تمكّن من تحديد بعض الأسماء الإيطالية التي يُرجّح أنها شاركت في الجرائم، ومن المتوقع أن يتمّ استجوابها قريبًا في إطار التحقيق المستمر، مضيفًا أن ألمانًا وفرنسيين وإنجليز وآخرين من دول غربية مختلفة شاركوا في هذه الرحلات.
ويؤكد أن هؤلاء لم تكن لديهم دوافع سياسية أو دينية، بل كانوا "أشخاصًا أثرياء ذهبوا بدافع المتعة والإشباع الشخصي.. أشخاصًا يحبون السلاح وربما يرتادون ميادين الرماية أو رحلات السفاري في إفريقيا".
ويزعم أن المشتبه بهم من الإيطاليين كانوا يجتمعون في مدينة ترييستي شمال البلاد، ثم يسافرون إلى بلغراد، حيث كان جنود صرب البوسنة ينقلونهم إلى تلال سراييفو.
ويوضح: "كان هناك خط سير لسياح الحرب الذين كانوا يذهبون لإطلاق النار على الناس".