سردية القهوةِ المخدّرةِ في إندونيسيا حيث تُبتذل سيدّة المزاج

.
. Copyright .
بقلم:  Hassan Refaei
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button
نسخ/لصق رابط فيديو المقال أدناهCopy to clipboardCopied

في إحدى ضواحي مقاطعة آتشية الإندويسية، ثمة مقهى صغير تواريه أخاديدُ الطبيعة، داخلَ المقهوة يجلس أغوس القرفصاء ويمسك بيده ملعقة خشبية كبيرة يحركّ بها كومة من حبّات القهوة المخلوطة بعشبة "الماريغوانا" داخل قدر مفلطح أسود يتراقص فوق موقد غاز بدائي.

اعلان

القهوة سيدّة المزاج وسردية الوجْد، أمّا وأن تُخلط بموادَ أخرى، فذلك، يعيبها ويبتذلها ويُعطّل من مذاقها ويُفقدها هويتها، والسؤال: كيف سيكون الحال إذا كانت تلك المواد مشتقّة من نبتة القنّب المخّدّرة؟!

آتشيه وعشّاق "القهوة المغشوشة"

في إحدى ضواحي مقاطعة آتشية الإندويسية، ثمة مقهى صغير تواريه أخاديدُ الطبيعة، داخلَ المقهوة يجلس أغوس القرفصاء ويمسك بيده ملعقة خشبية كبيرة يحركّ بها كومة من حبّات القهوة المخلوطة بعشبة "الماريغوانا" داخل قدر مفلطح أسود يتراقص فوق موقد غاز بدائي، وفي هذه الأثناء يتابع أغوس عملية تحميص القهوة بعينٍ، وبالعين الأخرى يراقب المكّان، خوفاً من الشرطة المحلية.

منتج "القهوة" المهرّب الذي يحضّره أغوس، يلقى قبولاً لدى العديد من السكّان المحلين في الأرخبيل الذي يقع جنوب شرق آسيا، حيث يشتري عشّاق "القهوة المغشوشة بالمخدر" الكيلوغرام الواحد منها بمليون روبية (65 يورو).

ولا شكّ أن العمل الذي يقوم به أغوس محفوف بالمخاطر في آتشيه، حيث تناول الكحول يمكن أن يتسبب لشاربه بعدد من الجلدات المؤلمة وفق ما تمليه الشريعة الإسلامية.

والجدير ذكره أن الرئيس الأندونيسي جوكو ويدودو كان دعا الصيف الماضي إلى وقف العمل بعقوبة الجلد، ما أثار حفيظة سكّان أتشيه الذين يتمسكون بهذه العقوبة بحق الذين يمارسون القمار ويشربون الكحول ويمارسون الجنس خارج إطار الزوجية.

قوانين مشددّة

أغوس، هو اسم مستعارٌ وليس الإسم الحقيقي، للرجّل الذي يدير جزءاً من الاقتصاد السري في المنطقة الواقعة عند أطراف سومطرة، هذه الجزيرة التي تعدّ أكبر منتج لأعشاب الماريغوانا في إندونيسيا.

زراعة واستهلاك الماريغوانا، كان أمراً شائعاً في آتشيه، حتى أن السكّان المحليين كانوا يزرعونه في حدائق منازلهم، وكان بيع هذه المادة المخدّرة أمراً مباحاً، لكّن في السبعينيات من القرن الماضي، تمّ حظره، ومنذ ذلك الحين اعتمدت البلاد قوانين مشددة لمكافحة المخدرات تصل إلى حدّ عقوبة الإعدام للمروّجين والمتاجرين.

اقتراحٌ وتوبيخٌ ونقد

الشرطة المحلية، تبذل جهوداً حثيثة في ملاحقة مزارعي ومرويجي ومتعاطي الماريغوانا في عموم البلاد،حيث تمكّنت السلطات العام الماضي من مصادرة أكثر من 100 طن من مادة الحشيش.

الأسبوع الماضي، اقترح أحد نوّاب مقاطعة آتشيه في البرلمان الأندونيسي أن يصار إلى سنّ قانون يمكّن البلاد من تصديره إلى الخارج لأغراض صيدلانية، على إثر هذا الاقتراح تلقّى النائب توبيخاً من نوّاب حزب العدالة المزدهر (الإخوان المسلمين)، كما انتقدت الاقتراح وكالة المخدرات الوطنية بدعوى أن مثل هذا الأمر سيغري المزارعين على زراعة النباتات المخدّرة بدلاً من الخضراوات وغيرها من المحاصيل الغذائية.

صناعة "القهوة المخدرة"

وعلى الرغم من المخاطر المحدقة بمروّجي المواد المخدرة، فإن أغوس لا يبدي تخوّفه من اعتقال وزجّ به في السجون، وربما لأنه لا يعتقد بأن ما يقوم به أمرٌ ضار(!!)، يقول مستائلاً: "كيف يمكنك حظر شيء هو أصلاً موجود (مزروع) في كل مكان؟"، مقللاً من أهمية الحملات التي تشنّها الشرطة المحلية في مكافحة المخدرات على اعتبار أن ذلك لن يثني المتعاطين من الحصول المواد المخدرة التي أدمنوا عليها.

ينصّب اهتمام أغوس، أثناء تحضيره "القهوة المغشوشة" على الحصول على طعم قريب من الطعم الأصلي للقهوة، لذا فهو يرى أنه إذا ما تمّ وضع 70 بالمائة من مادة القهوة مع 30 بالمائة من مادة الماريغوانا، فإن الناتج سيكون مادة طعمها قريب من طعم القهوة "وإذا وضعت أكثر من 30 بالمائة من مادة الماريغوانا، فإنك ستفقد طعم القهوة"، حسب قوله.

"القهوة هي مجال خبرتي"

وعلى مدار عقدين من الزمن كان أغوس موظفاً من أصحاب الياقات البيضاء، لكنّه استبدل مهنته المرموقة بتجارة تدرّ عليه مبالغ مالية ضخمة، وقال: "أردت التركيز على القهوة لأن هذا هو مجال خبرتي"، ويعتقد أغوس، أن قهوته تمنح شاربها متعة عالية، وهي أقل ضرراً من تدخين مادة الماريغوانا أو "النارجيلة" الشعبية المتوّجة بالتبغ الممزوج بالماريغوانا.

الماريغوانا في مقاطعة آتشيه، لا يتم إضافتها فقط إلى القهوة، فثمة من يمزجها بالحلويات الشعبية، وهو أمر لا يروق لأغوس الذي يقول في هذا الصدد: "إن تلك الحلويات يمكن أن تجعل المرء مهلوساً حقاً".

آفة المخدرات في أتشيه

يقول البعض، إن الأعشاب المخدرة دخلت إلى أندونيسيا عن طريق الاستعمار الهولندي قبل مئات السنين، إذ قاموا بجلبه من بلادهم وقدّموه لزعيم في منطقة الغاب كهدية، غير أن المؤرخ المحلي تاميزي عبد الحميد، ير أن تلك الأعشاب كانت موجودة في البلاد قبل الاستعمار الهولندي، وقد تمّ استخدامها في الطب والطهي.

ويقرأ المؤرخ عبد الحميد من أحدى المخطوطات القديمة، ثم يقول: "هذا يدل على أنه يمكن استخدام الماريغوانا لعلاج الصلع أو ارتفاع ضغط الدم"، ويضيف: "كانت الماريغوانا تستخدم أيضًا في الطهي والطب، لكن التدخين لم يرد ذكره في المخطوطات القديمة".

ويبدو أن القضاء على آفة المخدرات في مقاطعة أتشيه الأندونيسية، ليس بالأمر الهيّن، فثمة مساحات شاسعة من الأراضي وهناك تربة خصبة وأمطار غزيرة ومناخ مناسب، لتنمو أعشاب المخدرات بسرعة تفوق بكثير سرعة تحرك الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة المخدرات، هذا إضافة إلى أن المزارعين لا زالوا يجدون أن زراعة المواد المخدّرة تدرّ عليهم أموالاً أكثر بكثير مما تدّره باقي المحاصيل الزراعية.

المصادر الإضافية • أ ب

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

نجم هوليوود مارك روفالو في البرلمان الأوروبي للتحذير من مخاطر الملوثات الكيميائية

تقرير: الأوروبيون ينفقون سنوياً 30 مليار يورو في سوق المخدرات

الشرطة تقتل شخصاً وتعتقل 20 آخرين خلال احتجاج مزارعين على شركة لزيت النخيل في إندونيسيا