يجد وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسث نفسه في قلب عاصفة سياسية وقانونية، نتيجة مواقف وتوجيهات سبق أن أصدرها خلال خدمته في العراق، تحمّله المسؤولية المباشرة عن قرارات مثيرة للجدل.
الجدل الذي يرافق اسم هيغسث ليس جديدًا، لكنه اكتسب زخماً إضافياً بعد حادثة وقعت في 2 أيلول بمنطقة الكاريبي، حيث استهدفت ضربة أمريكية قاربًا يُزعم أنه كان يحمل مخدرات. وتشير تقارير إلى أن ناجين من الضربة الأولى قُتلوا في ضربة ثانية، بناءً على أمر شفهي من هيغسث مفاده: "اقتلوا الجميع".
نفى الوزير بشكل قاطع إصدار هذا الأمر، محاطًا بدعم واضح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال إنه يصدّقه "بنسبة 100٪"، لكن أعضاء في مجلس الشيوخ لمّحوا إلى احتمال أن يكون قد ارتكب جريمة حرب.
توجيهات للجنود في العراق
في كتابه الصادر العام الماضي بعنوان "الحرب على المحاربين"، يسرد هيغسث واقعة تعود إلى بداية خدمته في العراق، خلال إحاطة قانونية قدّمها ضابط من محامي القاضي العسكري (JAG) حول قواعد الاشتباك. وبحسب روايته، شرح الضابط للجنود أن إطلاق النار على مقاتل عدو يحمل قاذف RPG لا يكون قانونياً إلا إذا أصبح السلاح موجهاً نحوهم مع نية إطلاقه.
ويكتب هيغسث أنه جلس في صمت "مصدومًا"، قبل أن يجمع جنوده لاحقًا ليبلغهم بأن عليهم تجاهل تلك الإرشادات. وقال لهم: "لن أسمح لهذه التفاهات بأن تتسلّل إلى عقولكم.. إذا رأيتم عدوًا تعتقدون أنه تهديد، فاستهدفوه ودمّروا التهديد.. وأنا سأدعمكم".
ويمضي هيغسث أبعد من ذلك في الكتاب، مهاجمًا قوانين الحرب واتفاقيات جنيف باعتبارها "قيودًا اعتباطية" تدفع الجنود الأمريكيين إلى القبول بخسائر أكبر "كي تشعر المحاكم الدولية بالارتياح"، متسائلًا: "أفلا يكون من الأفضل أن نربح حروبنا وفق قواعدنا نحن؟ من يهتم بما تفكر به الدول الأخرى؟".
تمجيد قادة متهمين بجرائم حرب
لا يكتفي هيغسث بنقد المنظومة القانونية، بل يعيد إحياء علاقته بقادة عسكريين واجهوا اتهامات خطيرة. ومن بينهم الكولونيل المتقاعد مايكل ستيل، قائد لواء هيغسث في العراق بين عامي 2004 و2006، والذي وُجهت لجنود تحت قيادته تهم بقتل عراقيين غير مسلحين في محافظة صلاح الدين.
وبحسب إفادات الجنود، أصدر ستيل أمرًا عام 2006 بـ"قتل جميع الذكور البالغين". الصحافة الأمريكية، منها نيويورك تايمز، تحدثت حينها عن استخدام ستيل لـ"لوحات قتل" تُسجّل عدد العراقيين الذين قتلهم كل جندي.
ورغم ذلك، يصفه هيغسث في كتابه بأنه "شخص خارق"، مضيفًا: "إذا اشتبكت مع العدو ودمرته تحت قيادته، تحصل على عملة 'قتل'". ويضيف بنبرة ساخرة: "كان سيكون أستاذًا كارثيًا في دراسات الجندر بجامعة كاليفورنيا، لكنه واحد من أولئك الذين تريد وجودهم معك في القتال".
"حرية مطلقة للجنود"
يمتلئ الكتاب بمقاطع تعكس رؤية راديكالية لمنظومة القتال. يكتب هيغسث: "نرسل رجالًا ليقاتلوا نيابة عنا، ثم نعيد التفكير بالطريقة التي يقاتلون بها".
ويدعو بشكل صريح إلى إطلاق يد القوات الأمريكية: "إذا كنا سنرسل شبابنا للقتال – ويجب أن يكونوا شبابًا – فعلينا أن نطلق لهم العنان كي ينتصروا… عليهم أن يكونوا الأكثر شراسة وفتكًا… علينا كسر إرادة العدو".
ويختم بدعوة ضمنية إلى ما يشبه حصانة كاملة: "جنودنا سيرتكبون أخطاء"، وعندما يحدث ذلك، عليهم أن يُعاملوا بأكبر قدر ممكن من التساهل.