بحث دولي أظهر أن تحسين زراعة الأرز بعنصر غذائي دقيق يرفع قيمته الغذائية ويقلل الانبعاثات الناتجة عن الأسمدة من دون التأثير على الإنتاج.
كشفت دراسة دولية مشتركة تقودها جامعة ماساتشوستس أمهيرست في الولايات المتحدة عن نتائج واعدة قد تسهم في مواجهة ثلاثة من أكبر التحديات العالمية، وهي النمو السكاني، وتداعيات التغير المناخي، والضغوط الاقتصادية والبيئية المتزايدة على القطاع الزراعي.
وتتناول الدراسة زراعة الأرز، التي يعتمد عليها أكثر من 3.5 مليارات شخص حول العالم، وتعد من أكثر الأنشطة الزراعية كلفة من حيث استهلاك الأسمدة والتأثير البيئي والانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
تقنية نانوية بديلة للأسمدة التقليدية
وأظهرت أبحاث أجراها علماء من جامعة ماساتشوستس أمهيرست وجامعة جيانغنان الصينية أن استخدام عنصر السيلينيوم (عنصر كيميائي طبيعي يوجد بكميات ضئيلة في التربة والماء وبعض الأطعمة) على المستوى النانوي يمكن أن يقلل كمية الأسمدة النيتروجينية المستخدمة في زراعة الأرز، مع الحفاظ على مستويات الإنتاج، وتحسين القيمة الغذائية للمحصول، وخفض الانبعاثات الضارة.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، قدم الباحثون أول دليل ميداني يثبت فاعلية هذه التقنية خارج المختبرات، ما يعزز فرص تطبيقها على نطاق واسع.
أزمة الأسمدة وحدود الثورة الخضراء
وأوضح الباحثون أن أحد أبرز تحديات الزراعة الحديثة يعود إلى الاعتماد الكبير على الأسمدة النيتروجينية، التي رغم دورها في زيادة الإنتاج منذ الثورة الخضراء، إلا أنها باتت تشكل عبئا بيئيا واقتصاديا متزايدا.
ولا تمتص المحاصيل سوى نسبة محدودة من النيتروجين المستخدم، بينما يتسرب الباقي إلى البيئة، مسببا تلوث المياه وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. وفي حالة الأرز، قد تنخفض كفاءة استخدام النيتروجين إلى نحو 30 بالمئة فقط.
نتائج ميدانية واعدة
وأظهرت نتائج الدراسة أن رش نباتات الأرز بالسيلينيوم النانوي مباشرة على الأوراق والسيقان، باستخدام طائرات مسيرة، يعزز امتصاص النبات للعناصر الغذائية، ويرفع كفاءة استخدام النيتروجين إلى أكثر من 48 بالمئة.
كما أسهمت هذه التقنية في تقليص الانبعاثات الناتجة عن غازات مثل الأمونيا وأكسيد النيتروز بنسب تراوح بين 18 و45 بالمئة، مع الحفاظ على مستويات الإنتاج.
أثر إيجابي على التربة وجودة المحصول
وبينت الدراسة أن السيلينيوم النانوي يحفز عملية التمثيل الضوئي، ما يؤدي إلى نمو جذور أقوى، وزيادة النشاط الميكروبي المفيد في التربة، الأمر الذي ينعكس تحسنا في صحة التربة وارتفاعا في إنتاجية المحصول وجودته الغذائية.
وسجل الباحثون زيادة في محتوى البروتين وبعض الأحماض الأمينية والسيلينيوم في حبوب الأرز، ما يعزز القيمة الغذائية للمحصول.
خفض الكلفة ودعم الاستدامة
وأشار الباحثون إلى أن استخدام هذه التقنية يسمح بتقليص كمية الأسمدة النيتروجينية المستخدمة بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، وهو تطور مهم نظرا لأن زراعة الأرز تمثل ما بين 15 و20 بالمئة من الاستهلاك العالمي للنيتروجين.
وخلصت الدراسة إلى أن هذه النتائج قد تمهد الطريق أمام ممارسات زراعية أكثر استدامة، تجمع بين خفض الكلفة على المزارعين، وتقليل الأثر البيئي، وتحسين الأمن الغذائي في ظل التحديات المناخية والاقتصادية المتزايدة.