هل يكفي النوم لسبع أو ثماني ساعات كما ينصح الخبراء، أم أن انتظام مواعيد النوم أهم من عدد ساعاته؟ هذا ما تكشفه الأبحاث الجديدة.
تشير دراسات متعددة إلى أن النوم والاستيقاظ في مواعيد محددة يوميًا لا ينعكس فقط على جودة النوم، بل يترك أثرًا مباشرًا على الذاكرة، والصحة النفسية، ووظائف المناعة، وصحة القلب.
تقول ويندي تروكسل، الباحثة البارزة في مؤسسة راند، إن الحفاظ على جدول نوم منتظم "قد يكون من أبسط الوسائل وأكثرها إغفالًا لحماية الصحة".
من جهته، يوضح شاداب رحمن، أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد، أن انتظام النوم يُعدّ عاملًا صحيًا في متناول الجميع مقارنة بعوامل أخرى يصعب التحكم بها.
ويكمن السر في "الساعة البيولوجية" التي تضبط الشعور بالنعاس أو اليقظة، وتتحكم في إطلاق هرمونات أساسية مثل الميلاتونين والكورتيزول. هذا الانتظام يضمن تنسيقًا أفضل للعمليات الحيوية، من تخزين الذاكرة إلى إصلاح الخلايا.
فوائد تمتد إلى القلب والدماغ
تظهر الأبحاث أن هناك انعكاسًا مباشرًا للنوم على صحة القلب والتمثيل الغذائي أيضًا، فالنوم غير المنتظم قد يربك ضغط الدم، ويزيد الالتهابات، ويضعف تنظيم الجلوكوز. دراسة واسعة أجرتها جامعة هارفارد خلصت إلى أن انتظام النوم انعكس إيجابًا على مختلف جوانب الصحة. أما دراسة بريطانية حديثة شملت 88 ألف شخص، فأظهرت أن انتظام النوم يُعد معيارًا أكثر دقة للتنبؤ بخطر الوفاة مقارنة بعدد ساعات النوم.
والدماغ بدوره يستفيد من هذا الانتظام، فقد أثبتت دراسة يابانية حديثة أن المسنين الذين يلتزمون بمواعيد نوم ثابتة يتمتعون بمهارات إدراكية أفضل ومستويات أعلى من بروتين (BDNF) المسؤول عن مرونة الدماغ والذاكرة. في المقابل، ارتبط اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية بزيادة ترسب بروتينات سامة متورطة في مرض ألزهايمر.
استراتيجيات عملية
يشير الخبراء إلى أن ثلاث ركائز أساسية يجب أن تتوافر ليصبح النوم منتظمًا: توافق النوم مع دورة الليل والنهار الطبيعية، تكوين حاجة بيولوجية للنوم من خلال انتظام فترات اليقظة، والقدرة على الاسترخاء عند حلول الليل.
ومن بين السلوكيات التي يوصي بها الخبراء لتثبيت الانتظام في النوم، يبرز أولًا الحرص على التعرض الكافي للضوء الطبيعي خلال ساعات النهار، مع تقليل التعرض للضوء الصناعي وخصوصًا الأزرق المنبعث من الشاشات بعد الغروب. كما يُعد الالتزام بوقت استيقاظ ثابت يوميًا، حتى بعد ليالٍ متأخرة، عاملًا مهمًا في الحفاظ على استقرار الساعة البيولوجية.
وفي موازاة ذلك، فإن تهيئة غرفة نوم مظلمة وهادئة وباردة تعزز النوم العميق وتدعم الراحة الجسدية. كذلك، يساعد تجنّب الكافيين والكحول في فترة ما بعد الظهر على حماية جودة النوم، فيما تشكّل الطقوس الليلية المهدئة مثل قراءة كتاب أو أخذ حمام دافئ إشارة قوية للجسم بضرورة الاسترخاء.
أما النوم لساعات إضافية صباحًا لتعويض السهر، فيوصي الأطباء بتجنبه قدر الإمكان، لأنه يربك إيقاع الساعة البيولوجية أكثر مما يصلحه.