"جسر الصداقة" بين أفغانستان وأوزبكستان.. مشهدية هزيمة وتاريخ يكرر نفسه

القوات الروسية أثناء مغادرتها أفغانستان في العام 1989 عبر جسر الصداقة الفاصل بين الأخيرة وبين أوزبكستان
القوات الروسية أثناء مغادرتها أفغانستان في العام 1989 عبر جسر الصداقة الفاصل بين الأخيرة وبين أوزبكستان Copyright Leonid Yakutin/AP
بقلم:  Hassan Refaei
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

البداية من"جسر الصداقة" المقام على نهر آمو داريا الفاصل بين أفغانستان وأوزبكستان، والذي وثّق للحظة تاريخية تمثّلت بانسحاب عسكري عشوائي وفوضوي من مدينة مزار شريف، حيث تدفّق جنودٌ من الجيش الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة إلى الجسر من أجل العبور نحو الضفة الأخرى من النهر بحثاً عن الأمان.

اعلان

"تكرارُ التاريخ لنفسه يكشف عجز الإنسان عن التعلم من التجارب"، حين توصل المفكّر الإيرلندي جورج برنارد شو، إلى هذه الخلاصة، لم يكن يدرْ بذهنه حينها أن أفغانستان هي المساحة الزمكانية التي ستصدّق تلك المقولة بتوقيع سوفييتي وآخر أمريكي، وبفاصل زمني بين التوقيعين يبلغ ثلاثة عقود ونيف.

البداية من"جسر الصداقة" المقام على نهر آمو داريا الفاصل بين أفغانستان وأوزبكستان، والذي وثّق خلال الأيام الماضية للحظة تاريخية تمثّلت بانسحاب عسكري عشوائي وفوضوي من مدينة مزار شريف، حيث تدفّق جنودٌ من الجيش الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة إلى الجسر من أجل العبور نحو الضفة الأخرى من النهر بحثاً عن الأمان.

انسحابٌ بنكهة النصر

جسر الصداقة كان شيّده الاتحادُ السوفييتي قبل أربعين عاماً ليسهّل عمليات تنقّل القوات السوفيتية التي كانت اجتاحت افغانستان في أواخر العام 1979 لمساعدة "الحليف" الأفغاني المرتبط مع الكرملين بمعاهدة "صداقة وتعاون" تمّ توقيعها مع هذا البلد الفقير الذي بات شيوعياً إثر إنقلاب حصل في نيسان/أبريل من العام 1978.

عشر سنوات مرّت على الوجود السوفييتي في أفغانستان قبل أن يشهد "جسر الصداقة" على الهزيمة التي مني بها الجيش السوفييتي في حربه مع طيف المعارضة المسلّحة في أفغانستان الذين كانوا يتلقون السلاح من الأميركيين، والتمويل من السعوديين، والدعم اللوجستي من باكستان.

ففي الخامس عشر من شهر شباط/فبراير، كانت الرايات السوفييتية الحمراء المثبّتة على المدّرعات وناقلات الجند المغادرة عبر جسر الصداقة، ترفرف وسط رياح الشتاء لتضفي على مشهدية الهزيمة انكساراً يحاكي حالة القائد السوفييتي، الجنرال بوريس ف.غروموف، الذي سار وحيداً مطأطأ الرأس، خلف المدّرعة الأخيرة التي كانت تغادر أفغانستان.

الجنرال غروموف الذي قاد الجيش 40 السوفييتي الذي اجتاح أفغانستان، قال في تصريح متلفز بعدما وصل إلى الضفة الأوزبكية من النهر: "هذا كل ما في الأمر"، مستطرداً: "لا يوجد خلفي أيّ من الجنود أو الضباط"، معلناً أن الحرب التي خاضتها وحدات جيشه في أفغانستان قد انتهت.

مشهد الهزيمة السوفييتية في الضفة الأفغانية من النهر، لم يلبث أن تحوّل إلى احتفالية نصّر في الضفة الأوزبكية، حيث رحّبت النساء السوفيتيات بالجنود وقدّمن لهم الخبر والملح، ومنحنهنّ بعضاً من الهدايا التذكارية، فيما كانت وسائل الإعلام السوفيتية تنقل هذه الصوّر لتقنع الرأي العام المحلي بأن الأمر إنما هو انسحابٌ بنكهة النصر.

مشهدية الهزيمة

إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حرصت على تجنّيب الجيش الأمريكي "مشهدية الهزيمة"، لكن واقع الحال يؤكد أن واشنطن أخفقت في ذلك، كما أخفقت من قبلها موسكو. فانهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة كان سريعاً بما يفوق الخيال.

وبالفعل، غادر قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال الأمريكي أوستن س. ميلر، غادر بلاد الأفغان بهدوء في الثاني عشر من شهر تموز/يوليو الماضي، وأخلت الولايات المتحدة مقرّها في قاعدة باغرام الجوية ـ وهو موقع عسكري بناه السوفييت ـ دون أن يتمّ تسليم القاعدة بشكل رسمي للجيش الأفغاني.

وبطبيعة الحال، لم يدفع السوفييت قبل رحيلهم باتجاه الحيلولة دون اندلاع حرب أهلية طاحنة في أفغانستان، وعلى ضوء ذلك، أصبحت خطوات الجنرال غروموف الأخيرة على جسر الصداقة رمزاً للنهاية البائسة للحرب السوفييتية.

فالقائد الروسي غادرَ تاركاً وراءه الرئيس الأفغاني حينها، محمد نجيب الله، الذي بقي في سدّة الحكم ثلاث سنوات، وهي مدّة أطول بكثير عمّا حصل مع الرئيس أشرف غني الذي فرّ من البلاد حتى قبل إتمام الخروج الأمريكي.

متلازمة "أفغانية" وأخرى "فيتنامية"

يقول مدير معهد الديموغرافيا والهجرة والتنمية الإقليمية في موسكو يوري كروبنوف: إن الاتحاد السوفييتي، أوجد له في التربة الأفغانية جذوراً أعمق، مما عليه الحال بالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم من أن احتلال الأخيرة لأفغانستان دام لمدّة أطول.

فالاتحاد السوفيتي قام بتعليم وتخريج نحو 200 ألف أفغاني كمهندسين وإداريين وضباط عسكريين، وفّرواً دعماً كبيراً لحكومة نجيب الله.

ويضيف كروبنوف: "يمكنك انتقاد الاتحاد السوفيتي كيفما تشاء، لكن الهدف كان بناء دولة حديثة وتحقيق الاستقرار في الحدود الجنوبية للاتحاد السوفييتي الذي قام ببناء السدود الكهرومائية والأنفاق والطرق والجسور، بما في ذلك جسر الصداقة".

ويشير كروبنوف إلى أن الحكومة التي تركها السوفييت وراءهم في أفغانستان، كانت تحمل عوامل استمرارْ، فقد زوّد السوفييت حكومة نجيب الله بأسلحة ثقيلة، كالدبابات والمدفعية، على خلاف ما فعل الأمريكيون الذي زوّدوا جيش حكومة كابول الموالية لهم بأسلحة غالبيتها خفيفة، كما أن السوفييت نفذوا عمليات قمع واسعة استهدفت العاملين في إنتاج وتهريب المخدرات، ومنعوا ظهور طبقة فاسدة من رجال الشرطة والمسؤولين الحكوميين.

لكنّ، على الرغم من كل ذلك، انهارت حكومة نجيب الله في العام 1992، وبعدها بأربعة أعوام تمّ إلقاء القبض عليه وإعدامه وتعليق جسده على عامود كهرباء وسط كابول، من قبل قوة جديدة كانت تشقّ طريقها بين القوى في أفغانستان، وهي حركة طالبان.

بعد مغادرتهم أفغانستان، تحدث الروس عن إصابتهم بمتلازمة "أفغانية"، تحاكي في الجانب الأمريكي متلازمة "فيتنام".

يوم سقوط مزار الشريف

انسحاب الجنود الموالين للحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة فوق جسر الصداقة، كان مشهداً أكثر فوضوية عمّا كان عليه الحال بالنسبة للرحيل السوفييتي.

اعلان

فقد سيطرت حركة طالبان على مدينة مزار الشريف بسرعة غير متوقعة، إذ إنها اخترقت الخطوط الأمامية للجيش الأفغاني، فيما فّرت قوات الأمن الحكومية وميليشيات اثنين من أمراء الحرب؛ المشير عبد الرشيد دوستم، وعطا محمد نور، نحو جسر الصداقة للعبور إلى ضفة الأمان.

وأظهرت مقاطع مصوّرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أن جسر الصداقة شهد يوم سقوط مزار الشريف حالة اختناق مروري غير مسبوق، للسيارات والشاحنات الصغيرة المحمّلة بالجنود.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر يوم الأحد إن السلطات الأوزبكية احتجزت 84 جنديا أفغانياً عبروا الحدود وطلبوا المساعدة الطبية، فيما لم تسمح السلطات الأوزبكية لجنود آخرين بالدخول إلى أراضيها.

"لقد كانت مفاجأة"

تصريحات المسؤولين الروس بشأن التطورات المتسارعة في أفغانستان، جاءت متبانية، غير أنها أجمعت على تسجيل ملاحظة أن واشنطن تتخلّى عن حلفائها وأن سياستها الخارجية بعيدة المدة فاشلة بامتياز.

لكنّ موسكو، قد تجد نفسها مضطّرة للإنخراط في الشأن الأفغاني لمكافحة التطرف الإسلامي، وهو الأمر الذي كان يضطّلع به في السياق الجيش الأمريكي.

اعلان

السفير الروسي السابق في أفغانستان، زامير كابولوف، وفي مقابلة إذاعية بُثّت على راديو "صدى موسكو" اليوم الاثنين، قال عن الانهيار السريع للحكومة المدعومة من الولايات المتحدة ، "لقد كانت مفاجأة"، مضيفاً: كنا نظن أن الجيش الأفغاني، سيقاوم لبعض الوقت. لكن من الواضح أننا كنا متفائلين للغاية في تقييم جودة تدريب القوات المسلحة الأمريكية وقوات الناتو" على حد تعبيره.

البيت الأبيض، من جهته، قال إن الجيش الأفغاني مدرب ومجهز لكنه يفتقر إلى إرادة القتال، وشددت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي في تصريحات لها الأسبوع الماضي أن الحلفاء الأفغان"لديهم ما يحتاجون إليه".

وترى الدبلوماسية الروسية أن الوضع في أفغانستان يتجه نحو "الاستقرار" وأن طالبان تفرض "النظام العام"، وبدت روسيا مستعدة لعودة طالبان في افغانستان، ولم تبادر الى إجلاء دبلوماسييها من هذا البلد لتجنب زعزعة استقرار منطقة نفوذها في آسيا الوسطى وزرع بذور إرهاب دولي مجددا على حدودها الجنوبية.

فغداة سقوط كابول الاثنين، كان السفير الروسي ديمتري جيرنوف على تواصل مع طالبان على أن يلتقي منسقها الأمني الثلاثاء، وقال في تصريحات متلفزة: "لقد ضمنوا لنا مجددا أنهم لن يمسوا شعرة واحدة لدبلوماسي روسي (وقالوا): يمكنكم العمل باطمئنان"، علماً أن طالبان مصنفة "إرهابية" ومحظورة في روسيا، لكن ممثليها يتم استقبالهم على الدوام كمحاورين أصحاب صفة شرعية.

وإذا كانت موسكو التي لطالما أكدت فشل الولايات المتحدة في أفغانستان، تحرص أشد الحرص على عدم ظهور قوى أخرى تحاكي طالبان في آسيا الوسطى.

اعلان

مسؤولون أفغان وأمريكيون أكدوا على أنه ابتداء من العام 2018، أخذت موسكو تسلح سراً مجموعة من طالبان تنشط حول مدينة قندوز، وهي مركز تجاري إقليمي شرق جسر الصداقة، لقد كان الأمر إلى حد ما، انتقاماً من الولايات المتحدة لدعمها المتمردين ضد السوفييت قبل ثلاثة عقود.

المصادر الإضافية • نيويورك تايمز، أ ف ب، أ ب

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

أوزبكستان تقول إنها "أجبرت" 46 طائرة ومروحية أفغانية عبرت الحدود على الهبوط

واشنطن ترسل آلاف الجنود إلى أفغانستان لإجلاء رعايا ودبلوماسيي الأميريكيين

فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا