تقترب واشنطن من شفير أزمة جديدة مع احتمال دخولها في أول إغلاق حكومي منذ نحو 6 سنوات، عند منتصف الليل، وسط مواجهة مفتوحة بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، تنذر بتداعيات واسعة على الاقتصاد والخدمات العامة.
لم يسفر الاجتماع الذي استمر ربع ساعة في البيت الأبيض عن أي تقدم يُذكر، فيما أكد زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن "خلافات كبيرة" لا تزال قائمة بين الجانبين.
من المكتب البيضاوي، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرًا صارمًا، قائلاً إن السماح بإغلاق الحكومة الفدرالية سيمنح إدارته فرصة لاتخاذ إجراءات "لا رجعة فيها"، من بينها وقف برامج يحرص عليها الديمقراطيون.
الإغلاق الخامس عشر منذ 1981
مع انقضاء المهلة، تدخل الولايات المتحدة في الإغلاق الحكومي الخامس عشر منذ عام 1981 ما لم يتم التوصل إلى اتفاق تمويلي مؤقت. ويصوّت مجلس الشيوخ على مشروع قانون للإنفاق سبق أن فشل، ولا مؤشرات على نجاحه هذه المرة. ويشترط الديمقراطيون تمديد مزايا صحية لملايين الأمريكيين، بينما يصر الجمهوريون على فصل الملف عن الموازنة.
وتتعلق هذه المواجهة بتمويل قدره 1.7 تريليون دولار من أصل ميزانية إجمالية تبلغ 7 تريليونات، يذهب معظمها للرعاية الصحية والتقاعد وخدمة الدين العام البالغ 37.5 تريليون دولار.
وقد باشرت الوكالات الفدرالية إعداد خطط لإغلاق مكاتبها غير الأساسية وإرسال آلاف الموظفين إلى منازلهم، في وقت بدأ الأمريكيون بالفعل يلمسون التداعيات، من تعطل بعض تعويضات برنامج "ميديكير" إلى الحاجة لنقل مرضى إلى مرافق بديلة.
كما حذرت شركات الطيران من تأخر الرحلات، وأعلنت وزارة العمل أنها لن تصدر تقرير البطالة الشهري، فيما ستتوقف إدارة الأعمال الصغيرة عن منح القروض، وتعلق وكالة حماية البيئة بعض أنشطة مكافحة التلوث.
وكلما طال الإغلاق، اتسع تأثيره ليشمل إعانات الإسكان العام للأسر ذات الدخل المنخفض، وبرامج "هيد ستارت" للتعليم المبكر التي قد تشهد تأخيرات في تمويل المنح.
تصعيد سياسي
فشل الاجتماع الذي عقد في البيت الأبيض بين ترامب وقادة الكونغرس في التوصل إلى اتفاق. وبعده نشر ترامب مقطع فيديو مزيّفًا (ديب فيك) يظهر شومر وهو يهاجم حزبه، بينما بدا بجانبه زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز بقبعة سومبريرو وشارب ساخر.
وردّ جيفريز قائلاً: "في المرة المقبلة التي تريد أن تقول شيئًا عني، لا تلجأ إلى فيديو عنصري ومزيّف بالذكاء الاصطناعي، تعال وقلها في وجهي في المكتب البيضاوي".
ويُذكر أن أي اتفاق محتمل يجب أن يمر أيضًا عبر مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، المقرر أن ينعقد بعد انتهاء التمويل.
تهديد بمزيد من التسريحات
أظهر ترامب استعدادًا لتجاهل قوانين الإنفاق التي يقرها الكونغرس، ملوحًا بتوسيع حملة تقليص القوى العاملة الفدرالية، بعدما كان قد أمر في الربيع الوكالات بدراسة فصل الموظفين "غير الأساسيين" في حال الإغلاق. كما رفض إنفاق مليارات أقرها الكونغرس، ما دفع الديمقراطيين للتشكيك في جدوى التصويت على أي تشريعات إنفاق.
ورغم سيطرة الجمهوريين على المجلسين، إلا أنهم يحتاجون إلى أصوات ديمقراطية إضافية لتمرير أي اتفاق في مجلس الشيوخ. ويسعى الديمقراطيون في المقابل لتأمين التمديد الصحي ومنع ترامب من التراجع عنه إذا أصبح قانونًا، معتبرين أن هذه المعركة تمنحهم فرصة للتوحد خلف قضية اجتماعية حساسة قبيل انتخابات منتصف 2026.
ولكن داخل الحزب الديمقراطي ظهرت أصوات مشككة بجدوى المخاطرة، إذ قال السيناتور جون فيترمان: "الأمر لا يتعلق بالسياسة أو بمن سيلقى عليه اللوم، بل بالضرر الذي سيلحق بملايين الأمريكيين".