أثارت النتائج انتقادات واسعة اعتبرت أنّ الاستطلاع لا يأخذ في الاعتبار السياق الاجتماعي والاقتصادي والتمييز الذي يعيشه الشباب المسلم، خصوصًا أولئك الذين نشأوا "في مرحلة ما بعد 2015".
نشر معهد إيفوب الفرنسي، المتخصص بالدراسات الإحصائية، تقريرًا حول واقع الشباب المسلم في البلاد، وأشار إلى وجود "تحولات لافتة" داخل هذا المجتمع، سواء على مستوى الممارسات الدينية أو القضايا المتعلقة بالهوية، وهي نتائج أثارت موجة واسعة من الجدل والانتقادات في الأوساط السياسية والإعلامية وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
فبينما تحدثت الدراسة عن "إحياء متزايد للشعائر الدينية" وتغيرات في علاقة الشباب المسلم بالشريعة وبالدين، رأى منتقدون أنّ الاستطلاع ذاته يفتقر إلى أخذ السياق الاجتماعي والاقتصادي والتمييز المستمر بعين الاعتبار.
تقدم بطيء في أعداد المسلمين وإحياء ديني واضح
أوضحت الدراسة أنّ نسبة المسلمين البالغين في فرنسا ارتفعت من 0,5% عام 1985 إلى 7% في عام 2025، وهي زيادة يعتبرها المركز "بطيئة ولكن متصاعدة"، مع تأكيد أن أطروحة "الاستبدال الكبير" التي تروّج لها بعض الجهات لا تجد ما يؤكدها.
ورأى المعهد أن الإسلام يشهد "مسارًا من الإحياء الديني" في فرنسا، بخلاف الكاثوليكية، إذ يصرّح ثمانية من كل عشرة مسلمين بأنهم متدينون بدرجات متفاوتة، مقارنة بشخص واحد من أصل اثنين بين أتباع الديانات الأخرى.
ازدياد الممارسات الدينية خصوصًا لدى الشباب
كما سجلت الدراسة ارتفاعًا واضحًا في الممارسات الدينية عبر العقود، إذ ارتفع أداء الصلاة اليومية من 41% في 1989 إلى 62% في 2025، وارتفع الالتزام بصيام رمضان من 60% إلى 73%.
وبرز هذا الارتفاع أكثر لدى الشباب، إذ يصوم 83% من الفئة بين 18 و24 عامًا، ويصلي 67% منهم. ورأى المركز أن جزءًا من الجيل الجديد يعيش "إعادة ارتباط ديني" بـ"إسلام تقليدي".
واعتبر إبراهيم ألجي، الرئيس المشارك للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أنّ هذا التوجه "إيجابي"، مؤكدًا أن ممارسة الإيمان "حريّة شخصية" طالما لا تؤثر على الآخرين.
الفصل بين الجنسين وانتشار الحجاب
ورصدت الدراسة انتشار ممارسات مرتبطة بـ"الفصل بين الجنسين"، حيث يرفض 43% من المسلمين أشكال التواصل الجسدي أو البصري مع الجنس الآخر، من بينها رفض التقبيل للتحية بنسبة 33% ورفض المصافحة بنسبة 14%.
وتبدو هذه السلوكيات أكثر حضورًا لدى النساء والشباب، وفق الدراسة. كما يسجّل الحجاب حضورًا أكبر بين الشابات، إذ ترتديه 45% من المسلمات بين 18 و24 عامًا مقابل 16% فقط عام 2003. ويرتبط ارتداء الحجاب بالدافع الديني (80%) وبالحماية في الفضاء العام (44%) وبالتعبير عن الهوية (38%).
وأشارت الدراسة إلى أنّ نسبة المسلمين الذين يفضّلون القوانين الدينية على القوانين الفرنسية في القضايا "المهمة" ارتفعت من 28% عام 1995 إلى 44% في 2025.
انتقادات واسعة للإحصاء
أثارت النتائج انتقادات واسعة اعتبرت أنّ الاستطلاع لا يأخذ في الاعتبار السياق الاجتماعي والاقتصادي والتمييز الذي يعيشه الشباب المسلم، خصوصًا أولئك الذين نشأوا "في مرحلة ما بعد 2015".
واعتبر المحامي فيلومون غارابيو ماشيري أنّ الأسئلة المتعلقة بالشريعة "لا تحدد أي نسخة يقصد بها"، مشيرًا إلى تطبيقها في بعض الدول على المسلمين فقط.
ورأى الباحث السياسي ألكسندر ديزيه أنّ عينة من 515 شخصًا "غير كافية" وأنّ الدراسة "بلا قيمة"، ووصفت صحافية من BFMTV المنهجية بأنها "مزعجة". واتهم مستخدمون إيفوب بتغذية "وسائل إعلام معادية للمسلمين"، بينما اعتبر آخرون أنّ الاستطلاع "مرتجل في مناخ عدائي".
إيفوب: إعادة تأكيد الهوية وصعوبة التراجع
ذكر فرنسوا كرو، مدير قسم "السياسة / الأخبار" في إيفوب، على منصة "إكس" أنّ النتائج تعكس "إعادة تأكيد للهوية" و"انضمامًا متزايدًا إلى الأطروحات الإسلامية السياسية"، معتبرًا أنّ هذه الدينامية "قد لا تكون قابلة للرجوع"، وأن الدراسة ترسم "صورة واضحة لسكان مسلمين يعيشون عملية إعادة أسلمة تقوم على معايير صارمة".
وتعليقًا على القرار، أكد وزير الداخلية لوران نونيز "ضرورة إطلاق المرحلة الثالثة" من العمل الحكومي ضد "تغلغل الإسلام المتطرف"، مؤكدًا أنّ "القوانين الجمهورية ستكون دائمًا أعلى من القوانين الدينية، بما فيها الشريعة".
وتحدث عن أدوات جديدة مثل "جريمة الإضرار بالتماسك الوطني"، وتشديد الرقابة على استقبال القاصرين، وتنظيم تراخيص بناء أماكن العبادة، وهو ما أثار تحذيرات من حقوقيين وسياسيين اعتبروا أن هذه الإجراءات قد تستهدف المسلمين عمومًا وتزيد الشعور بالإقصاء.