قال حقوقي ومحامٍ جزائري ليورونيوز: "الاعتقال التعسفي لمحمد تجاديت يأتي ضمن موجة تكميم الأفواه التي تقودها السلطات في الجزائر، بهدف صرف الأنظار عن إخفاقات النظام في الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإسكات كل من يجرؤ على قول الحقيقة".
من خلال أشعاره التي ألهبت حماس المتظاهرين في الجزائر عام 2019 تاريخ المظاهرات المناهضة لتولّي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عهدة خامسة، تحوّل محمد تجاديت ،المعروف إعلامياً بـ"شاعر الحراك"، من شاب ترك التعليم مبكراً إلى أيقونة للحراك الشعبي ومنبراً للشارع الغاضب. إلا أن صوته وأشعاره التي هزّت الميادين، كانت مهدّدة أمام القضاء بتهمتيْ "الإرهاب" و"المساس بأمن الدولة".
فقد قضت محكمة جزائرية بسجن الشاب لمدة 5 سنوات نافذة، مع فرض غرامة مالية كبيرة، وذلك في قضية وصفتها منظمات حقوقية بـ"الملفّ المُفبرك" الذي يستهدف حرية التعبير.
"لا أملك علْمًا ولا حزبًا.. أملك كلمات من أجل وطني"..من هو محمد تجاديت؟
محمد تجاديت، البالغ من العمر 31 عامًا، شاعر وناشط حقوقي جزائري، أصبح أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر عام 2019. برز من خلال إلقاء أشعاره أمام المتظاهرين، مطالبًا بتنحّي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ونظامه، ومدافعًا عن قيم الحرية والديمقراطية.
ترك تجاديت التعليم في سنّ مبكرة، وعمل في عدّة مهن قبل أن يتحوّل إلى صوت شعري معارض يعبّر عن غضب الشارع وتطلعاته، لا سيما في التعبير عن رفض ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة وهو الذي حاكم الجزائرمنذ 1999 حتى 2019 رغم تدهور صحته وغيابه شبه الكامل عن الحياة العامة منذ 2013 تاريخ إصابته بجلطة دماغية أثرت على قدرته على الحركة والكلام.
وفي كل مسيرة احتجاجية، كان تجاديت يلقي أبياته أمام الحشود، وكان محتواها يجمع بين الثورة والفن، وينتقد غياب حرية التعبير في البلاد.
وقال ذات مرة، مخاطبا الشباب: "يجب أن تكون لديكم مواقف وآراء في مسائل أخرى، وليس في كرة القدم فقط.. حرية التعبير تشمل كل القضايا الحقيقية التي تمس حياتنا اليومية." وأضاف: "لا أملك لا علْمًا ولا حزبًا سياسيًا، بل فقط كلمات من أجل وطني."
منذ عام 2019، تعرض تجاديت للاعتقال خمس مرات من قبل السلطات الجزائرية بتهم تتعلق بـ"عرض منشورات تمسّ الوحدة الوطنية" و"إهانة رئيس الجمهورية" و"الإشادة بالإرهاب" و"استخدام التكنولوجيا لدعم جماعة إرهابية".
وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أصدرت المحكمة حكمًا بسجنه خمس سنوات نافذة، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية كبيرة عليه.
"ملف فارغ وتهم غير مبررة"
تظل المعلومات الواردة من وسائل الإعلام الجزائرية حول قضية الشاعر والناشط محمد تجاديت محدودة، ولم تحظَ بتغطية واسعة.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن محاكمة جديدة ستبدأ يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تشمل تجاديت و12 ناشطًا آخرين، وُجِّهت إليهم تهم تتعلق بـ"المساس بأمن الدولة".وتشير المنظمة الحقوقية إلى أن هذه التهم، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن لفترات طويلة أو حتى الإعدام، لا تستند إلا إلى نشاطهم السلمي ومحادثاتهم الخاصة عبر الإنترنت، مطالبة بإطلاق سراحهم فورًا، دون أي قيد أو شرط.
وفي تصريح خاصلـ"يورونيوز"، اعتبر إسماعيل معراف، حقوقي ومحامي جزائري، أن اعتقال الشاعر والناشط تجاديت يتم "خارج إطار كل المواثيق القانونية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الجزائرية"، واصفًا إياه بأنه اعتقال تعسفي وفي ظروف لا تمت بصلة إلى القانون المطبّق في الجزائر من حيث الإجراءات.
وأوضح معراف أن تجاديت لم يرتكب أي جرائم ضد النظام العام أو الآداب العامة، وأنه أعرب فقط عن وجهة نظره وناضل من أجل الحرية والتغيير الذي يكفله الدستور الجزائري. وأضاف المتحدث أن الحراك الشعبي الذي شارك فيه الشاعر لم يكن بدعة سياسية مخالفة للقوانين، مشيرًا إلى أن الجزائر تشترط تنظيم الحراك وتضع له يومًا رسميًا يعترف به حتى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون ويقرّ بأنه أنقذ الدولة الجزائرية.
وأضاف معراف في حديثه لـ"يورونيوز": "كمتابع لملفات المعتقلين السياسيين، أرى أن الملف فارغ، ولا يوجد أي مبرّر لهذه العقوبة.. إن اعتبار ما قام به زعزعة للوحدة والاستقرار الوطني أمر غير منطقي، وأعتقد أن القاضي الذي أصدر الحكم وجد نفسه في موقف محرج.. ما وقع يمثل خرقًا لحقوق الإنسان ولجميع المواثيق التي التزمت بها الجزائر."
ومضى المحامي في حديثه قائلا: "الحكم الصادر ضد تجاديت يتنزل ضمن موجة تكميم الأفواه التي تقودها السلطات في الجزائر لتحويل الأنظار عن إخفاقات نظام الرئيس تبون في الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. هذا النظام يحاول مجاراة الوضع بمنع كل من يقول الحقيقة".
من جانبه، رأى عبد الرحمن صالح، وهو محام وسياسي جزائري، في تصريح لـ"يورونيوز" أن القضية تعيد النقاش حول الإفراط في اللجوء إلى الحبس المؤقت في قضايا قال إنها " لا تستحق"، موضحًا أن المتابعة القضائية ضد تجاديت ورفاقه استندت إلى جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات تحت باب "الجرائم ضد الشيء العام وأمن الدولة"، وهي في الجوهر "جرائم سياسية بالمفهوم الحقوقي والقانوني".
وأضاف صالح أن الكثير من التشريعات الدولية والمحلية قد تخلّت عن تجريم المخالفات ذات الطابع السياسي، واكتفت بمعاقبة مرتكبيها بالغرامة بدل الحبس، لأنها تُصنَّف ضمن الحريات الأساسية، خصوصًا حرية التعبير.
وقال لـ"يورونيوز": "نجدد الدعوة من خلال هذه القضية إلى ضرورة إعادة النظر في المتابعات القضائية تحت هذا العنوان وتقييد الحبس المؤقت في هذه القضايا".
محاكمة تجاديت تكشف "اتساع دائرة القمع في الجزائر "
في تصريح آخر ليورونيوز، قال المحلل نضال الخضراوي إن الأحكام القضائية الصادرة ضد الشاعر والناشط الجزائري محمد تجاديت، والقاضية بسجنه خمس سنوات، "تعكس اتساعًا في استخدام القوانين ذات الطابع الأمني لتجريم التعبير السلمي".
وأوضح الخضراوي أن "القضية لا تتعلق بوقائع تمسّ الأمن العام، بل بنشاط يدخل في صميم حرية التعبير وممارسة النقد السياسي، ولذلك فإن استخدام مواد قانونية مخصّصة لمكافحة الإرهاب يدق ناقوس الخطر بشأن استقلال القضاء وضمانات المحاكمة العادلة في الجزائر".
وتابع أن "قضية تجاديت ليست استثناءً، بل تأتي ضمن سياق من الانكماش الحاد في الفضاءين السياسي والإعلامي، حيث تتعرض أصوات متعددة ،من صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وناشطين رقميين وفنانين، لملاحقات تستند إلى نفس التشريعات التي وُضعت أصلًا لمواجهة الإرهاب الحقيقي، لا لتجريم الآراء".
وأضاف المتحدث: "في الوقت الذي تواصل فيه السلطات الجزائرية إطلاق حملات دعائية وشعبوية من قبيل "خضراء بإذن الله"، كان الأجدر التركيز على حملة وطنية ترتكز على مبدأ "العدالة لكل جزائري"، من خلال احترام الحقوق الأساسية، وإطلاق سراح سجناء الرأي، وضمان حرية التعبير باعتبارها حقًا دستوريًا لا يجوز الالتفاف عليه".
وشدد على أن "الأحكام القاسية الصادرة ضد محمد تجاديت، إلى جانب استمرار اعتماد نصوص قانونية مبهمة، تبرهن على الحاجة الماسة إلى مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية التي تُستخدم لتعطيل الحياة السياسية وقمع النقد المشروع".
وختم الخضراوي تصريحه بالقول: "إن حماية حرية التعبير ليست مؤشرًا على ضعف الدولة، بل على قوتها وقدرتها على بناء الثقة مع مواطنيها، وصياغة أفق سياسي جديد يقوم على دولة القانون لا دولة الشعارات".
من جهتها، أدانت منظمات حقوقية ما وصفته بـ"تصعيد القمع" في الجزائر، ولا سيما ضد ناشطين وصحافيين على الإنترنت.
وأكدت هبة مرايف، مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، في تصريحات صحفية، أن النهج القائم على التضييق الرقمي يشكّل "خطرًا واضحًا" ويجب أن يتوقف، مشددة على أنه "لا شيء يبرّر احتجاز أشخاص أو سجنهم لمجرّد تعبيرهم عن عدم رضاهم عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية".
كما دعت العفو الدولية السلطات الجزائرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين الذين أوقفوا فقط بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير.
ومن بين القضايا التي أثارت انتباه المنظمة، قضية الناشطين صهيب دباغي ومهدي بعزيزي، اللذيْن صدر بحقهما حكم بالسجن 18 شهرًا في مارس الماضي، على خلفية منشورات نشراها عبر الإنترنت ودعمهما لحملة "مانيش راضي" وتعني "لست راضيا"