في التجربة الجديدة، تمكن الباحثون من تصميم جزيئات "فصْل خفيف" عبر تعديل تركيبها الكيميائي بدقة، ما مكّنهم من التحكّم بمدى تأثيرها على استهلاك الطاقة الخلوية.
طور باحثون أدوية تجريبية تستهدف (الميتوكوندريا – "محطات توليد الطاقة ") داخل خلايا الجسم لتحفيزها على حرق سعرات حرارية أكثر، في محاولة لتقديم حل آمن وفعّال لمشكلة السمنة التي تُعدّ وباءً عالمياً وعاملاً رئيسياً في الإصابة بأمراض مزمنة، من بينها السكري وأنواع عديدة من السرطان.
ونُشرت نتائج الدراسة، التي قادها الأستاذ المشارك تريستان راولينغ من جامعة سيدني للتكنولوجيا بالتعاون مع باحثين من جامعة ميموريال الكندية، في مجلة "كميكال ساينس" التابعة للجمعية الملكية للكيمياء البريطانية.
وأوضح رولينغ أن هذه الجزيئات تُغيّر طريقة استخدام الخلايا للطاقة، إذ تجعل الميتوكوندريا— التي تُوصف عادةً بأنها "محطات توليد الطاقة" في الخلية— تحرّر جزءاً من الطاقة الناتجة عن الطعام على شكل حرارة، بدلاً من تحويلها بكفاءة إلى طاقة كيميائية (ATP) يمكن للجسم استخدامها.
وشبّه الباحث العملية بسدّ كهرومائي: ففي الحالة الطبيعية، يتدفق الماء عبر التوربينات لتوليد كهرباء، أما عند وجود "تسرب" في السدّ — وهو ما تمثّله عوامل الفصل— فإن جزءاً من الطاقة يُهدر كحرارة ولا يُستفاد منه.
وزنٌ ينقص وحياةٌ تُزهق: درسٌ من الحرب العالمية الأولى
تذكّر الدراسة أن أول مركبات فصل الميتوكوندريا اكتُشفت قبل نحو قرن، لكنها كانت سامة إلى حدّ القتل. فخلال الحرب العالمية الأولى، لاحظ الأطباء في فرنسا أن عمال مصانع الذخيرة يفقدون وزناً بشكل مفاجئ، وترتفع حرارتهم، ويتوفى بعضهم. وبعد التحقيق، عُرف أن السبب هو مادة "2,4-دينتروفينول" (DNP)، المستخدمة في تصنيع المتفجرات.
وأشار رولينغ إلى أن DNP دخل السوق في ثلاثينيات القرن الماضي كدواء لإنقاص الوزن، وكان فعالاً بشكل استثنائي، لكنه سُحب لاحقاً لخطورته، إذ أن الفارق بين الجرعة العلاجية والجرعة القاتلة ضئيل جداً.
تعديل كيميائي دقيق يُنقذ حياة ويُحقّق التوازن
وفي التجربة الجديدة، تمكن الباحثون من تصميم جزيئات "فصْل خفيف" عبر تعديل تركيبها الكيميائي بدقة، ما مكّنهم من التحكّم بمدى تأثيرها على استهلاك الطاقة الخلوية.
ووجد الفريق أن بعض هذه الجزيئات يحفّز الميتوكوندريا دون أن يُعطّل إنتاج ATP أو يضرّ بالخلايا، بينما أظهرت جزيئات أخرى سلوكاً ساماً مشابهاً لـDNP.
وسمح هذا التباين للعلماء بفهم الآلية التي تجعل الجزيئات "الخفيفة" أكثر أماناً: فهي تبطئ عملية الفصل إلى درجة تسمح للخلايا بالتكيف دون التعرض لصدمة أيضية.
فوائد تتجاوز إنقاص الوزن إلى مكافحة الشيخوخة
وإضافة إلى تعزيز حرق الدهون، أظهرت عوامل الفصل الخفيفة قدرتها على تقليل الإجهاد التأكسدي داخل الخلايا، وهو عامل مرتبط بتلف الحمض النووي وتقدّم الأمراض العصبية مثل الخَرَف.
ويُرجّح أن يوفّر هذا التأثير فوائد أوسع، تشمل تحسين الصحة الأيضية وتأخير علامات الشيخوخة.
رغم أن البحث لا يزال في مرحلته المبكرة، فإنه يرسم مساراً واضحاً لتصميم أدوية تعتمد على الفصل الميتوكوندريي المُعتدل.
ويأمل الباحثون أن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى علاجات فعّالة للسمنة، تتفادى المخاطر التي أطاحت بالأدوية السابقة، وتوفّر بديلاً محتملاً للحقن الحالية التي يعاني البعض من آثارها الجانبية.