مكافحة مرض السلّ في أوكرانيا ضحيةٌ أخرى للغزو الروسي وخشيةٌ من ضياع جهودٍ استمرت عقودا

مع الغزو الروسي لأوكرانيا، يخشى خبراء أن تقضي الحرب على كل الجهود التي بذلتها الدولة لمكافحة مرض السلّ، الذي كان من أكثر الأمراض المعدية فتكا في العالم قبل ظهور كوفيد-19. ويقتل مرض السل كل عام 1,5 مليون شخص في كل أنحاء العالم، ويصيب أكثر من 10 ملايين سنويا وفق منظمة الصحة العالمية.
والسل الذي اكتشف قبل عشرات الآلاف من السنوات، موجود في القارات الخمس لكنه منتشر خصوصا في البلدان النامية. في العام 2020، كانت المنطقتان اللتان سجلتا أكبر عدد من الإصابات الجديدة بهذا المرض، جنوب شرق آسيا (43% من الإصابات الجديدة) وإفريقيا (25 %) وفق منظمة الصحة العالمية.
وتسجل أوكرانيا حوالى 30 ألف إصابة بالمرض كل عام. ولدى البلاد واحد من أعلى معدلات مرض السل المقاوم للأدوية في العالم، والذي أصيب به 29% من المرضى الأوكرانيين الجدد عام 2018، بحسب المنظمة.
علاج جديد
لكن في السنوات الأخيرة، كانت أوكرانيا أول بلد يختبر علاجا جديدا للسل المقاوم للأدوية، وهو شكل من أشكال السل الذي تسببه بكتيريا مقاومة لأكثر الأدوية فعالية في مكافحة السل.
وقال أوليا كليمينكو مؤسِّس منظمة "تي بي بيبول أوكرانيا" (TB People Ukraine)، والذي تعافى من مرض السل عام 2016: "قبل الحرب كانت أوكرانيا تقدمت كثيرا على هذا الصعيد، كان الوضع مستقرا إلى حد ما. لكن توقف كل شيء في يوم واحد".
وأوضح كليمينكو خلال مؤتمر صحافي عشية اليوم العالمي للسل "عندما تنتهي الحرب، سنبدأ من جديد، حتى لا أقول من الصفر، بسبب الأضرار التي لحقت بنظام الرعاية الصحية والبنية التحتية الطبية لدينا".
من جانبه، قال أسكار يديلباييف رئيس وحدة مكافحة السل في منظمة الصحة العالمية فرع أوروبا، إن أوكرانيا كانت "إحدى الدول الرائدة في الاستجابة لمرض السل" في المنطقة مشيدا "بعمل نموذجي"، لكنه أضاف أنه مع الغزو الروسي فإن "الخدمات الصحية في أوكرانيا دمرت". وذكّر أنه قبل الحرب، كانت الاحتياطات الإقليمية مخزنة بأدوية مضادة لمرض السل وزوّد المرضى أدوية تكفي لمدة شهر إلى شهرين.
"أزمة صحية كبرى"
بالنسبة إلى ميشال كازاتشكين، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بمرض الإيدز في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، تكمن المشكلة في الوقت الحالي في توصيل هذه الأدوية إلى المرضى، وأشار إلى أنه تم قصف مركز لمكافحة مرض السل في مدينة نيزين في شمال شرق العاصمة كييف.
وأوضح كازاتشكين لوكالة فرانس برس قائلا: "ستحصل أزمة صحية كبرى. ستنتهي أوكرانيا بنظام رعاية صحية منهار، وستزيد الإصابات بأمراض مثل السل والسل المقاوم للأدوية في المستقبل".
بدورها، أشارت رئيسة قسم الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود كايت وايت، إلى أن "العبء الثقيل" للحرب استلزم تحويل الموارد المخصصة لمرضى السل والإيدز إلى معالجة الجرحى.
وأضافت وايت أن هناك تحدّيا آخر يتمثل في مواصلة معالجة المرضى الذين هربوا من الحرب، وقالت لوكالة فرانس برس: "فقدنا أثر العديد من المرضى لأنهم فروا، على غرار كثر، من البلاد".
ولفت يديلباييف إلى أن منظمة الصحة العالمية تدعم الدول المجاورة لتقديم الرعاية للأوكرانيين الفارين من الحرب، مضيفا أن "كل ثانية يصبح طفل أوكراني لاجئا".
ويأتي الصراع في أوكرانيا في الوقت الذي أعادت جائحة" كوفيد-19، في غضون عامين فقط، التقدم العالمي في مكافحة السل عشر سنوات إلى الوراء، وهو أمر كارثي"، بحسب خوسيه لويس كاسترو رئيس منظمة "فايتل استراتدجيز" (Vital Strategies) غير الحكومية.
على الصعيد العالمي، وللمرة الاولى منذ أكثر من عشر سنوات، ارتفع عدد الوفيات المرتبطة بمرض السل عام 2020، وفق منظمة الصحة العالمية التي دعت هذا الأسبوع إلى زيادة الاستثمارات في هذا الشأن، فيما وصل الإنفاق العالمي المخصص للفحوص والعلاجات والوقاية من هذا المرض عام 2020 إلى أقل من نصف الهدف، البالغ 13 مليار دولار سنويا بحلول العام 2022. وتطالب العديد من الأصوات بزيادة الجهود من أجل إيجاد لقاح جديد.
واللقاح الموجود حاليا والمعروف ب"بي سي جي" يعود إلى 100 عام وهو "غير فعال للبالغين" وفق لوسيكا ديتيو المديرة التنفيذية لمؤسسة "Stop TB Foundation" التي تتخذ من جنيف مقرا لها. وأضافت "حفّز كوفيد البحوث والتمويل للحصول على لقاح جديد في غضون 10 أشهر. ولا يجوز أن نتوقّع أقل من ذلك للسل".