يتوقّف القلب، لكن الجسم لا يموت دفعةً واحدة؛ فخلال الساعات والأيام التالية، تنشط جينات، تهضم خلايا نفسها، وتفتك بكتيريا بالأعضاء. فهل الموت لحظةٌ واحدة… أم عمليةٌ تستمر بعد آخر نبضة؟
كشفت دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" أن بعض خلايا الإنسان تبقى نشطة لأكثر من 14 ساعة بعد الوفاة، لتُنتج بروتينات تساعد في مواجهة الإجهاد أو نقل الأكسجين، في مؤشرٍ على أن الموت ليس لحظة واحدة، بل عملية خلوية معقدة تمتد زمنياً بعيداً عن توقف القلب.
وفور توقف القلب والتنفس—اللذين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً إلى درجة أن فشل أحدهما يؤدي سريعاً إلى توقف الآخر—ينقطع تدفق الدم والأكسجين إلى أنسجة الجسم.
وخلال 30 ثانية، يفقد الدماغ وعيه مع تراجع النشاط الكهربائي العصبي، ليتبع ذلك طفرة نهائية غير مفهومة تماماً من النشاط الكهربائي، حين تطلق الخلايا العصبية طاقتها المخزّنة دفعةً واحدة.
بدء الهضم الذاتي
بعد 4 إلى 5 دقائق من توقف القلب، تبدأ الخلايا المحرومة من الأكسجين في التفكك. يرتفع مستوى ثاني أكسيد الكربون داخلها، فيُحمّض البيئة الداخلية ويفتّت أكياس الإنزيمات في السيتوبلازم.
وعند انطلاق هذه الإنزيمات، تبدأ عملية "الهضم الذاتي"، حيث تهضم الخلايا نفسها من الداخل، وهو ما يُلحِق ضرراً لا رجعة فيه بالدماغ.
فشل الأعضاء وانخفاض الحرارة
وبمرور 30 دقيقة، تبدأ الأعضاء بالفشل تباعاً، بدءاً بالكبد الغني بالإنزيمات، ثم البنكرياس والكلى.
وبعد ساعة من الوفاة، تنخفض درجة حرارة الجسد بمعدل درجة مئوية واحدة في الساعة خلال الـ24 ساعة الأولى، حتى تتماشى مع درجة حرارة المحيط.
تصلب الجثة
وفي غضون ساعتين، يتراكم الكالسيوم داخل خلايا العضلات—لأن الجسم لم يعد قادراً على ضخّه خارج الخلايا—فتبدأ العضلات بالتصلب، أولاً في الرقبة والجفون والفك، ثم يمتد التصلب تدريجياً ليشمل كامل الجسم خلال نحو 12 ساعة.
نشاط جيني بعد الوفاة
وبعد مرور 7 ساعات، تظهر في الخلايا التي لا تزال حية ذروة في نشاط بعض الجينات، وفق الدراسة المنشورة في "نيتشر كوميونيكيشنز"، لتنتج بروتينات مرتبطة بالتعامل مع الإجهاد أو نقل الأكسجين، في نشاط يستمر حتى 14 ساعة بعد الوفاة.
وعند بلوغ الساعة الثانية عشرة، يترسب الدم في الأجزاء السفلية من الجسم بفعل الجاذبية، فيظهر ما يُعرف بـ"العَري الجسدي"، حيث يكتسي الجلد بلونٍ أزرق أو أرجواني.
وفي الوقت نفسه، يجف سطح الجلد وينكمش، مما يوحي بأن الأظافر والشعر لا يزالان ينموان، رغم توقف جميع عمليات النمو فعلياً. كما تبقى الحيوانات المنوية لدى الذكور قابلة للحياة حتى 36 ساعة بعد الوفاة.
غزو البكتيريا
وبعد 36 ساعة، يفقد الجهاز المناعي سيطرته على البكتيريا المعوية، التي تبدأ بمهاجمة جدران الأمعاء، ثم تغزو الكبد والطحال والقلب، وتصل أخيراً إلى الدماغ في غضون 58 ساعة.
وخلال هذه المرحلة، تنتج البكتيريا غازات تُنتفخ منها البطن، وتفصل الجلد عن الأنسجة الداخلية، وتعطي الجثة لوناً أخضر مميزاً، بينما يزول تصلّب الجسد تدريجياً ليصبح الجسم فضفاضاً.
وفي اليوم السابع عشر بعد الوفاة، أظهرت دراسة أُجريت عام 2012 أن خلايا جذعية عضلية، قلّصت من عمليات التمثيل الغذائي لديها، لا تزال حية.
وبعد مرور شهر، يمكن للحشرات والديدان أن تهضم حتى 60٪ من جسدٍ معرّض للهواء خلال الأسبوع الأول، لتظهر بقايا الهيكل العظمي. أما في حال دُفن الجسد داخل تابوت، فقد يستغرق تحلله الكامل نحو عشر سنوات.
وبعد عامين، تتحلل العظام تماماً وتندمج مع التربة إذا بقيت على السطح، لكنها قد تُحفَظ لملايين السنين إذا وُضعت في ظروف دفن مناسبة.