رغم أن العملية الإسرائيلية حظيت بتغطية إعلامية واسعة، إلا أنها، وفقًا لتحليلات، لم تكن سوى تتويج لمسار عمل طويل في الضفة الغربية.
أعلن الجيش الإسرائيلي صباح الأربعاء عن إطلاق عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية المحتلة تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، وذلك بالتعاون مع جهاز الأمن الداخلي "الشاباك". وأفادت وسائل إعلام محلية بأن العملية يَقودُها ثلاثة ألوية هي: مناشيه، وشومرون، ولواء الكوماندوز.
وأوضح الجيش أن هذه العملية لا تُشكل جزءًا من عملية "الجدار الحديدي" التي أُطلقت في يناير الماضي وتركّزت بشكل أساسي على المخيمات الفلسطينية، مما يُشير إلى دخول الدولة العبرية مرحلة جديدة في تعاملها مع الضفة الغربية، التي تشهد منذ عامين تصاعدًا في أعمال العنف ضد الفلسطينيين، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ألف فلسطيني على يد قوات الأمن أو المستوطنين.
وبحسب وسائل إعلام فلسطينية، فرضت القوات الإسرائيلية حظر تجول كامل في منطقة طوباس جنوب شرق جنين، واقتحمتها بمدرعات، كما أرسلت تعزيزات إلى مخيم نور الشمس.
وذكر مركز المعلومات الفلسطيني أن مروحيات هجومية حَلّقت فوق المنطقة، ووزعت مناشير دعت السكان إلى إخلاء المنطقة، وحذّرت من أن المكان أصبح "ملاذًا للإرهاب"، مؤكدة أن "القوات الإسرائيلية لن تتسامح مع هذا، وستتصرف بالقوة والحزم. إذا لم يُعدل الوضع، سنتصرف كما فعلنا في جنين وطولكرم."
من جانبه، قال عمدة طمون سمير بشارات إن قوات الجيش اقتحمت القرية وأطلقت المروحيات النار على السكان، وحوّلت أكثر من عشرة منازل إلى نقاط عسكرية، كما قطعت خطوط المياه المحلية عن السكان الذين أُجبروا على إخلاء منازلهم قسرًا، مضيفًا أن الأراضي الزراعية قد دُمّرت.
وفي ردّ فعل ميداني، هددت كتائب القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية – بالرد على اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدينة طوباس، وكتبت في بيان: "نحن جاهزون."
وأعلن محافظ طوباس أحمد الأسعد لمركز المعلومات الفلسطيني أن الجيش أقام عدة حواجز ترابية حول المدينة، متوقعًا أن تستمر العملية الإسرائيلية لعدة أيام.
يأتي ذلك بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع الشاباك، في يناير الماضي عملية وقائية في مخيمات جنين وطولكرم ونور الشمس، أسفرت، وفقًا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، عن تهجير نحو 32 ألف شخص من منازلهم.
عمل متواصل في الضفة الغربية
ورغم أن العملية الإسرائيلية حظيت بتغطية إعلامية واسعة، إلا أنها، وفقًا لتحليلات، لم تكن سوى تتويج لمسار عمل طويل في الضفة الغربية.
تقول نيومي نيومان، الزميلة المساعدة في معهد واشنطن والرئيسة السابقة لوحدة البحث في جهاز الأمن الإسرائيلي، إن الاهتمام الدولي وإن كان قد تركز بشكل كبير على قطاع غزة منذ هجوم 7 أكتوبر، إلا أن التغيرات في الضفة الغربية لم تكن أقل أهمية.
وتوضح نيومان أن جهود العديد من الوزراء المتطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى المستوطنين، ازدادت حديثًا بهدف "تغيير الوضع الجغرافي والديموغرافي، بما يخلق ظروفًا أكثر ملاءمة لرؤيتهم لـ'إسرائيل الكبرى' التي تشمل ضم الضفة الغربية."
واعتبرت الباحثة أن هذه الدوافع تجلّت بوضوح في عملية "الجدار الحديدي"، التي هدفت، بحسب تعبيرها، إلى "تفكيك البنية التحتية للإرهاب في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية"، لكنها تسببت في الوقت نفسه "بتدمير واسع ونزوح للسكان، وهو نهج يتوافق مع السياسة الرسمية للحكومة المعلنة لمنع استمرار قضية اللاجئين الفلسطينيين."
توسيع الاستيطان
وتشير نيومان إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش هو من يقود حاليًا السياسة في الضفة الغربية، والتي تتركز، وفقًا لها، على "توسيع الاستيطان" في المنطقة "ج" (الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة)، بهدف "منع ضم هذه الأراضي مستقبلًا إلى دولة فلسطينية وإحباط أي إمكانية عملية لتأسيسها عبر منع التماسك الإقليمي."
ولتحقيق رؤية سموتريتش، جرت الموافقة على بناء مشروع "E1" الذي ينص على إنشاء أكثر من 3400 وحدة سكنية في منطقة تقع بين القدس وأريحا، والتي تُعتبر الجسر البري الوحيد الممكن بين مراكز الضفة الغربية الجنوبية (بيت لحم والخليل) وتلك في الوسط والشمال (رام الله ونابلس).
وفي مايو الماضي، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي إقامة 22 مستوطنة في إطار المشروع، بينها 9 مستوطنات جديدة بالكامل و13 عبر تقنين مواقع قائمة.
وبذلك يصل عدد المستوطنات الجديدة التي وُوفق عليها منذ أكتوبر 2023 إلى 49 مستوطنة، أي ما يعادل سبعة أضعاف المتوسط في العقود السابقة، وفقًا لنيومان.
ويشير تقريرها إلى أن المشروع منح المستوطنين المتطرفين المعروفين باسم "شباب التلال" إمكانية أكبر لتنفيذ هجماتهم في الضفة، حيث سُجِّل من يناير إلى يونيو 2025 نحو 440 هجومًا للمستوطنين المتطرفين، مقارنة بـ317 هجومًا في الفترة نفسها من العام السابق.
تهجير الفلسطينيين وتصاعد نفوذ "شباب التلال"
وتلفت الباحثة إلى أن إسرائيل تسعى، عبر توسيع المستوطنات وتمكين نفوذ المستوطنين، إلى التأثير على الفلسطينيين في المنطقة "ج"، لدفعهم إلى الهجرة، ولا سيما المزارعين في القرى الصغيرة ورعاة البدو شبه الرحل.
كما تشير إلى أن صلاحيات الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية تظل محدودة، وتعجز عن التصدي للشغب بفعالية بسبب سياسات وتوجيهات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير التي تفرض عليها التراخي في مواجهة العنف، مما جعل "شباب التلال"، بحسب وصفها، حكامًا فعليين لتلك "الأقاليم".
تداعيات اقتصادية مدمرة
في السياق الاقتصادي، أفاد تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية شكلت ضربة قاصمة للاقتصاد الفلسطيني، وأدت إلى انهيار غير مسبوق وإلحاق ضرر واسع بالبنية التحتية والأصول الإنتاجية.
وبحسب التقرير، فإن حجم الدمار بلغ درجة أمحت معها إنجازات 22 عامًا من التقدم التنموي، وتجلى ذلك في تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات عام 2010، وتراجع دخل الفرد إلى ما كان عليه في عام 2003.
وتؤكد الأمم المتحدة أن سياسات التوسع الاستيطاني فرضت قيودًا على حركة 3.3 مليون فلسطيني، من خلال رفع تكاليف النقل، وإطالة أوقات السفر، وإعاقة الوصول إلى الخدمات الأساسية كالعمل والتعليم والرعاية الصحية، مما فاقم الأزمة وعطّل حركة الاقتصاد والتجارة.
وقد واجهت الحكومة الفلسطينية أحد أصعب المراحل بعد أكتوبر 2023، حيث تفاقمت الأزمة نتيجة نقص الإيرادات واحتجاز إسرائيل للتحويلات المالية، التي بلغت ذروتها بمبلغ يقارب 1.76 مليار دولار، مما عرقل قدرة الحكومة على دفع الرواتب والحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية.
موسم حصاد الزيتون
وحذّرت مجموعة الحماية التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الشهر الماضي من تدهور موسم حصاد الزيتون، الذي يعد ركيزة أساسية في الاقتصاد الزراعي بالضفة الغربية، نتيجة توسع الاستيطان وتزايد هجمات المستوطنين.
كما أفاد تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بأنه ما بين 30 سبتمبر و6 أكتوبر، سُجّلت 10 هجمات على الأقل للمستوطنين في الضفة الغربية مرتبطة بالحصاد، شملت اعتداءات على الحاصدين، وسرقة المحاصيل ومعدات الحصاد، وتدمير الأشجار.