لطالما ارتبط مرض القلب بصور نمطية ذكورية، ما جعل تشخيصه لدى النساء أكثر صعوبة في كثير من الأحيان. ولا يقتصر هذا الخلل على اختلاف الأعراض، بل يمتد إلى تراكم تاريخي من دراسات طبية غير متوازنة، وضعف الوعي الصحي، إلى جانب تحديات اجتماعية تجعل صحة قلب المرأة أقل أولوية، سواء في نظرها أو في نظر أنظمة الرع
تُظهر المعطيات الطبية أن تشخيص مرض القلب لدى النساء لا يزال يشوبه القصور في الكثير من الحالات مقارنة بالرجال، رغم كونه السبب الأول للوفيات بين النساء عالميًا. ويعود أحد الأسباب الرئيسية إلى أن معظم الأبحاث التي شكّلت الفهم الطبي التقليدي لأمراض القلب أُجريت لعقود طويلة على الرجال، ما جعل "الأعراض النموذجية" للنوبة القلبية، مثل ألم الصدر الحاد، معيارًا عامًا لا ينطبق بالضرورة على النساء.
ففي حالات كثيرة، لا تعاني النساء من الأعراض المتداولة للنوبة القلبية، بل تظهر لديهن أعراض أقل وضوحًا، مثل الإرهاق غير المعتاد، وضيق التنفس، والغثيان أو الدوار، أو انزعاج في الرقبة أو الفك أو الظهر، إضافة إلى شعور عام بالقلق أو الإحساس بأن هناك خللًا غير مفسَّر. هذه الأعراض غالبًا ما يُستخف بها، سواء من قبل النساء أنفسهن أو من مقدمي الرعاية الصحية، ما يؤدي إلى تأخر التشخيص والعلاج.
مع التقدم العلمي وتطور التقنيات الطبية، تبيّن أن أمراض القلب لدى النساء تسلك مسارات مختلفة عن تلك المعروفة لدى الرجال، سواء من ناحية الأعراض أو أنماط المرض، إلا أن هذا الإدراك لم يُترجم دائمًا إلى ممارسات تشخيصية سريعة أو دقيقة، ما أبقى الفجوة قائمة في الرعاية الصحية للنساء.
الأعراض وتأثيرها على التشخيص
يلعب الوعي الصحي دورًا حاسمًا في اكتشاف أمراض القلب وعلاجها، إذ تشير دراسات عدة إلى أن نصف النساء فقط يدركن أن مرض القلب هو التهديد الصحي الأول لهن، وهو نقص في المعرفة ينعكس تأخرًا في طلب الرعاية الطبية، وقلة في النقاشات الوقائية خلال الزيارات الروتينية.
كما تواجه النساء عوائق إضافية، منها أعراض لا تتوافق مع النموذج الشائع، وتقديم احتياجات الآخرين على صحتهن الشخصية، خصوصًا لدى الأمهات ومقدّمات الرعاية، فضلًا عن تجارب طبية سابقة اتسمت بالتجاهل أو التقليل من الشكوى.
وتُضاف إلى ذلك تحديات اجتماعية واقتصادية، مثل الكلفة أو صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية، إلى جانب ضعف تمثيل النساء في التجارب السريرية، ما يؤثر مباشرة على طرق التشخيص والعلاج.
تحسين أدوات الكشف والرعاية
أسهمت التقنيات الحديثة في تحسين الكشف المبكر عن أمراض القلب لدى النساء، عبر استخدام فحوصات دم عالية الحساسية مثل التروبونين، وتشخيص اضطرابات أكثر شيوعًا بين النساء، كأمراض الشرايين التاجية غير الانسدادية واضطرابات الأوعية الدقيقة.
كذلك توسّع الاعتماد على تقنيات التصوير المتقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي للقلب واختبارات الجهد مع تخطيط صدى القلب، عندما لا تعطي الفحوصات التقليدية صورة كافية.
وترافق ذلك جهود بحثية أكثر شمولًا تركّز على الخصوصية البيولوجية للنساء، إضافة إلى تعاون متزايد بين اختصاصات طبية متعددة، وحملات توعية وفحص مجتمعية تهدف إلى رفع مستوى الوعي وتعزيز الكشف المبكر.
الوقاية من المرض
تؤكد الأوساط الطبية أن الممارسات الوقائية تبقى خط الدفاع الأول في مواجهة أمراض القلب، وأن تغييرات بسيطة في نمط الحياة يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا.
وتشمل هذه الخطوات الإقلاع عن التدخين، والحفاظ على نشاط بدني منتظم ولو عبر المشي السريع، واتباع نظام غذائي صحي للقلب، وضبط ضغط الدم ومستويات الكوليسترول والسكر، والحفاظ على وزن صحي، ومعرفة التاريخ الصحي العائلي، إضافة إلى إدارة التوتر والحصول على نوم منتظم.
كما يُعد تمكين النساء من التعبير عن مخاوفهن الصحية وطرح الأسئلة الطبية المناسبة جزءًا أساسيًا من الوقاية، إلى جانب الإصلاحات المطلوبة على مستوى النظام الصحي.